ديفيد فيكلنغ: أمريكا تنضم إلى الأصدقاء المنافسين في نادي الوقود الأحفوري

احتياطيات النفط الهائلة تجعل الولايات المتحدة أقل حماسا لعملية انتقال الطاقة مقارنة بالصين التي تتقدم بقوة في مجال التكنولوجيا النظيفة

غالبا ما يقال إن الجغرافيا قدر. فالمسارات التي تسلكها الأمم عبر تاريخها مطبوعة مثل مخطوط على أنماط صخورها، وأنهارها، وسهولها وسواحلها، بطريقة غالبا ما تحير آراء الناس التي تقطنها. ويندر أن يفلت بلد ما من ذلك المصير الجيولوجي.
على مدى أسبوعين، شهدنا أمثلة دراماتيكية لذلك في خمسة بلدان تمتد على أكثر من ثلث كتلة اليابسة في هذا الكوكب.
أبرز هذه الأمثلة تمثلت في الجولة القاسية من الرسوم الجمركية التي فرضها الرئيس الأمريكي جو بايدن ضد الواردات من منتجات الصين من التكنولوجيا النظيفة.
فمع ارتفاع معدل التضخم الأساسي في الولايات المتحدة إلى أعلى مستوى له منذ ما يقرب من 30 عاما، وضعف النمو في الدخل القابل للإنفاق، يبدو أن رفع تكلفة سلع استهلاكية مثل الألواح الشمسية والسيارات الكهربائية، سلوك غريب.
غير أن الأمر يبدو منطقيا أكثر من ذلك إذا نظرت إلى الجانب الآخر من الصورة في قطاع الطاقة. فقد بلغ إنتاج الولايات المتحدة من النفط الخام في ديسمبر 13.3 مليون برميل يوميا، وهو أعلى مستوى لإنتاج أي دولة من النفط في التاريخ. وارتفع إنتاج الغاز الطبيعي إلى مستوى قياسي عالمي شبيه بذلك، مسجلا 106.5 مليار قدم مكعب يوميا.

مبررات واهية

برر بايدن فرض هذه الرسوم على أنها مبادرة لحماية المناخ، ستمنح الولايات المتحدة وقتاً لتحسين قدراتها، والمنافسة مع صناعة التكنولوجيا النظيفة العملاقة في الصين.
لا ينبغي لك أن تسلم بصدق هذه المبررات بالنظر إلى تخلي واشنطن عن الالتزام بالطاقة النظيفة، وكيف ترتب على ذلك تبديد ريادتها السابقة في صناعات الألواح الشمسية والسيارات الكهربائية.
إن قوة أمريكا باعتبارها منتجة للوقود الأحفوري هي التي تسمح لها بأن تكون غير ملتزمة إلى هذه الدرجة في تنظيف أنشطتها – وبأن تصبح حاليا على هذا القدر من الاستعداد لعرقلة وحصار التقنيات البديلة. تسعى معظم الدول إلى تحقيق الانتقال في الطاقة، لا لأسباب تتعلق بالمناخ فقط، بل لأن ذلك أيضا ضرورة اقتصادية وإستراتيجية تقلل اعتمادها على المصدرين الأجانب من ناحية، وأعباء الإنفاق على استيراد الوقود في الموازنة العامة وميزان المدفوعات من ناحية أخرى. أما الولايات المتحدة، باعتبارها أكبر دولة منتجة للوقود الأحفوري في العالم بفارق كبير، فهي ترى الأمور بطريقة مختلفة.
هذه الدينامية هي نفسها التي تفسر سبب السرعة الكبيرة التي تحركت بها الصين لاستغلال عملية انتقال الطاقة. فالتحول إلى إنتاج السيارات التي تعمل بالبطارية يصبح منطقياً أكثر بكثير عندما تضطر إلى استيراد نحو 90 % من البترول الذي تستهلكه. ويبدو تعظيم إنتاج الكهرباء الرخيصة من مصادر متجددة، تحركا بديهيا عندما تنخفض احتياطيات الغاز المحلية إلى الحدود الدنيا، وتبدو موارد البلاد من الفحم في تدهور مستمر من حيث جودتها وتكلفتها.

فرصة سانحة

يرى المصدرون المحتملون في نقص إمدادات الطاقة المحلية في الصين فرصة سانحة. ففي كندا، كان مقررا لخط أنابيب النفط الخام "ترانس ماونتين إكسبانشن" (Trans Mountain Expansion)، الذي بلغت تكلفته 34 مليار دولار كندي (25 مليار دولار أمريكي)، أن يحمل أول شحنة متجهة إلى الصين يوم السبت الماضي.
ربما يبدو هذا المشروع الممول فيدراليا، وهو الأعلى تكلفة في تاريخ كندا، استثمارا غريبا بالنسبة لحكومة فرضت واحدة من أكثر ضرائب الكربون صرامة في العالم. ومع ذلك فإن كندا هي أكبر مصدر للنفط في العالم بعد السعودية والولايات المتحدة وروسيا.
إذا كنت تعتقد أن الجغرافيا (لا الإرادة الشعبية) هي القدر، فلا ينبغي أن يفاجئك أن الديمقراطيتين الليبراليتين في أمريكا الشمالية تتفقان الآن مع الدول البترولية
وفي الوقت نفسه، وضعت الحكومة في أستراليا إستراتيجية للغاز الطبيعي تتصور دورا لهذا الوقود الهيدروكربوني "حتى 2050 وما بعدها". وتصنف كانبيرا خططها على أنها تتفق مع مسار تحقيق صافي الانبعاثات الصفري، ولكنها في ذلك تنتصر للتفكير بالتمني على حساب الواقع، إذ يشهد مثل هذا العالم المتصور انخفاضا في الطلب على الغاز الذي يفتقر إلى تقنية احتجاز الكربون وتخزينه بنسبة 90 % تقريبا. قد لا يستطيع الغاز الطبيعي المسال الأسترالي النجاة من هذا التحول – وهو منتج متميز ترتفع تكلفة إنتاجه مقارنة مع نحو 95 % من كل إنتاج الغاز على مستوى العالم.
تقل تكلفة الغاز الطبيعي الذي ينتقل عبر الأنابيب عادة عن تكلفة الغاز الطبيعي المسال. وقد كان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في بكين الأسبوع الماضي يروج لخط "باور أوف سيبيريا 2"، وهو خط مقترح من شأنه أن يغذي الصين من نفس الحقول التي كانت موجهة لأوروبا، قبل أن تقطع الحرب الأوكرانية هذا المسار.
ومع ذلك، يبدو الرئيس الصيني شي جين بينغ مترددا – ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى أن مصادر الطاقة المتجددة المحلية في الصين وإمكانات الهيدروجين الأخضر، إضافة إلى تعاقد البلاد على إمدادات كبيرة من الغاز الطبيعي المسال والغاز المنقول بالأنابيب من تركمانستان الأصغر حجما من روسيا والأسهل في التعامل معها، يعني أنها لا تحتاج حاليا إلى الميثان الروسي.

ذروة الطلب

يبدو ذلك وكأن العالم يشهد تقدماً مستمرا في مسيرة الوقود الأحفوري، ولكن الأمر ليس بهذه البساطة، فالطلب على هذه المنتجات يتجه إلى الذروة، أو أنه بلغها بالفعل.
كان البترول أرخص أنواع الطاقة وأكثرها فائدة في القرن العشرين، وأصبحت الدول الأفضل تجهيزا للاستفادة منه هي الدول البارزة في تلك الحقبة. ومع ذلك، فإن معظم العالم يعاني نقصا جوهريا في الطاقة.
فإلى جانب الصين، ينطبق ذلك على الدول العشر النامية التي ستشهد نحو نصف النمو السكاني في العالم من الآن وحتى 2050، بما في ذلك معظم دول آسيا وإفريقيا. أمام هذه الدول مكاسب لتجنيها من الطاقة النظيفة والرخيصة المنتجة محليا تتجاوز كثيرا مكاسب الوقود الأحفوري الذي يضر بصحة مواطنيها، ويضعها تحت رحمة المصدرين الأثرياء، الذين يبدون أكثر حرصا من أي وقت مضى على استغلال قواهم.
هناك مصدر قلق أعمق تحت خوف واشنطن من نجاح بكين في مجال التكنولوجيا النظيفة. فكما أن ريادة بريطانيا قبل غيرها في مجال الفحم جعلت منها القوة التي لا تعرف الكلل في القرن التاسع عشر، وكما أن سيطرة الولايات المتحدة في مجال النفط جعلت منها قوة مهيمنة في القرن العشرين، فإن تقدم الصين في مجال الطاقة الخضراء يمنحها مكانة هائلة في القرن الحادي والعشرين.
لقد وجدت أمريكا الغنية بالنفط نفسها مرتبطة بشبكة غريبة مع الأصدقاء المنافسين من الدول المصدرة للنفط الخام في الشرق الأوسط من خلال مصالحها المشتركة في قطاع البترول. وفي العقود المقبلة، ستجد الصين التي تتخلص من الكربون عديد من الحلفاء الذين تتوافق مصالحهم مع مصالحها.

لن تؤثر الرسوم الجمركية بشكل مباشر في أسعار السيارات الكهربائية في المدى القصير، لأن السيارات الصينية المستهدفة بتلك الرسوم تكاد لا تصدر إلى الولايات المتحدة. ومع ذلك، فإنها ستقلل من احتمال انخفاض الأسعار بسبب تهديد السيارات المستوردة الأرخص ثمنا القادمة إلى السوق.

خاص بـ "بلومبرغ"

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي