Author

معركة التضخم الكبرى

|

اقتصادي في السياسات الاقتصادية وإدارة استراتيجيات الأعمال والشراكات الاستراتيجية.

أرقام التضخم الأمريكية كانت سيئة، حيث ارتفعت إلى 3.5 % لشهر مارس على أساس سنوي، وبذلك خالف التضخم التوقعات التي كانت 3.4 % وهذا يعطينا دلالة مبكرة على أن المرحلة المقبلة ستستمر في سياسات النقد المشددة من أجل تحجيم التضخم ولو تطلب الأمر رفع سعر الفائدة، أي عدم الاكتفاء بالتثبيت عند 5.25 %.
نظريا ارتفاع التكاليف يدفع الشركات إلى تحميل العبء على المستهلكين في هيئة أسعار أعلى، وبالفعل هذا ما يعيشه الاقتصاد الأمريكي، وبالتالي سنرى استثارة مزيد من الضغوط التضخمية التي تؤدي إلى تقييد الإنفاق الاستهلاكي، التي بدورها تولد اتجاهات انكماشية. وغالبا سيميل اقتصاد أمريكا إلى أن يكون ركودا تضخميا شديد التعقيد، وهو ما يحاول الهروب منه الفيدرالي.
بيانات الاقتصاد الأمريكي - الرغم من كل المحاولات للسيطرة على التضخم - تثير تساؤلا بشأن ما إذا كانت البنوك المركزية يمكنها التحكم بشكل فعال في التضخم من خلال نظام استهداف التضخم، وهو نظام يعتمد على التحكم في سعر الفائدة من أجل الوصول إلى نطاق تضخم في معدل 2 %، وفي نفس الوقت يستخدم صناع السياسات الاقتصادية أسلوبا معاكسا له عبر الاعتماد على القروض لتعزيز الطلب، وهذه المنهجية هي ما أوصلت العالم إلى فرط الاقتراض وتراكم ديون الدول والشركات والناس.
وإذا ما رجعنا إلى العقود الماضية تاريخيا، نجد أن نظام استهداف التضخم كان قويا في الحفاظ على استقرار الأسعار في ظل الظروف العادية، لكن ماذا عن الاضطرابات التكنولوجية والشكوك الجيوسياسية وما يعيشه العالم اليوم من ديناميكيات التجارة المتغيرة وبشكل جوهري مع نشوء اتجاهات جديدة مثل الأقلمة الاقتصادية، أي تكتلات اقتصادية ناشئة وجديدة ما بعد 2020.
اللافت أن انعكاسات قرارات الفيدرالي الأمريكي المتشددة لم تنحصر داخل البورصات، بل طالت الأسر ووصلت إلى البنوك الأمريكية والعالم، ولا نعرف متى تنفجر ويمكن وصفها بأنها براكين قابلة للانفجار إذا لم تخفف أمريكا من السياسات النقدية المشددة، حيث إن الاقتصاد الأمريكي يقع بين كماشة تكاليف خدمة الدين وتراكم الديون من جانب آخر، ونتج عن هذه الحالة مشكلات في جانب الطلب أدت بدورها إلى أن نظام التضخم المستهدف تحوم حوله شكوك عدم فاعليته وبشكل خاص ما بعد أزمة كورونا والظروف الاقتصادية غير الاعتيادية التي يعيشها الاقتصاد العالمي.
أخيرا: البنوك المركزية بما فيها الفيدرالي الأمريكي تدير الاقتصاد من خلال نظام التضخم المستهدف، إضافة إلى تحريك جانب الطلب من خلال الديون "الائتمان" كأساليب أو منهجيات - إن صح التعبير - من أجل مكافحة التضخم وزيادة النمو والازدهار الاقتصادي بشكل مزدوج، لكن بوصفنا اقتصاديين لم نعد متأكدين من كفاءة تلك الأساليب في الإدارة الاقتصادية، وعلى علماء الاقتصاد مسؤولية إعادة هندسة النظام الاقتصادي وابتكار أدوات جديدة تعيد اقتصاد الرفاهية ومعالجة اختلالات السوق وجعل الاقتصاد أكثر إنسانية، وإعادة النظر في النظرية النفعية القائمة على الدخل، والحد من تدخل صناع السياسات الاقتصادية في هدر القيمة الاقتصادية للنقود التي أسهمت، أي تلك السياسات، في تضخم أسعار الأصول بالمجان عبر صناعة أثرياء فاحشي الثراء من المضاربات، ولن تنتهي معركة التضخم ما لم نعد إلى الإنتاج الحقيقي، بدلا من إنتاج الأموال.            
 

إنشرها