Author

متى ستبدأ البنوك المركزية خفض الفائدة؟

|
عضو جمعية الاقتصاد السعودية

في الوقت الذي ما زالت البنوك المركزية عالمياً بقيادة الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، تعتقد باستعصاء التضخم على التراجع لما دون 2 % كمستهدف للسياسة النقدية، ولكونه المعدل الذي يمكن للاقتصاد الكلي التكيّف معه، تتصاعد في المقابل تطلعات المستثمرين والأسواق تجاه ضرورة خفض أسعار الفائدة، خاصةً بعد أن انكمش التضخم من مستوياته التاريخية الأعلى في 2022 إلى مستوياته الراهنة الأدنى من تلك المستويات، رغم عدم وصوله إلى المستويات المستهدفة من البنوك المركزية، وبين تلكما الرؤيتين المتضادتين؛ تتنازع الأسواق تيارات الصعود بدرجةٍ أعلى من الانخفاض، ورغم التذبذب الذي قد يطرأ في جلساتٍ محدودةٍ، إلا أن حالة الترقّب وإعادة تقييم الأسعار في مختلف الأسواق والنشاطات، تستمر بوتيرةٍ مطردةٍ ودون هوادة.

أظهرت أحدث إحصاءات صندوق النقد الدولي في شأن قياس أسعار المستهلكين (التضخم)، تحقق كثير من النجاح على هذا الطريق، لكن لم يصل بعد إلى هدفه النهائي المحدد من قبل البنوك المركزية. حيث تراجعت نسبة البلدان التي تجاوز معدل التضخم فيها 6 % من 70.5 % من إجمالي البلدان في نهاية 2022، إلى 26.9 % من إجمالي البلدان في نهاية 2023، وتراجعت نسبة البلدان التي تجاوز معدل التضخم فيها 10 % من 36.7 % من إجمالي البلدان في نهاية 2022، إلى 11.2 % من إجمالي البلدان في نهاية 2023، وهذا بالتأكيد يثبت نجاح السياسات النقدية المتشددة (رفع أسعار الفائدة) التي تم اتخاذها خلال العامين الماضيين، ويؤكد فاعليتها في كبح التضخم من مستوياته الشاهقة التي وصل إليها في منتصف 2022، وتعد الأعلى تاريخياً منذ 1982، إلا أنّ بقاء نسبة البلدان التي لا زال معدل التضخم فيها أعلى من الحد المستهدف 2 % عند 78.4 % من إجمالي البلدان بنهاية 2023، مقارنةً بنسبة 96.4 % التي بلغتها نسبة البلدان إلى الإجمالي في نهاية 2022، ويتأكّد للمراقب أنها لا زالت مرتفعةً جداً بمقارنتها مع نسبتها بنهاية 2020 التي لم تكن تتجاوز 51.2 %، وأنّ محافظة البنوك المركزية على سياساتها النقدية المتشددة، تظل الخيار الأنسب والملائم في ظل الظروف الراهنة، وتوضح وجاهة رؤية الاحتياطي الفيدرالي واستمرار تثبيته لأسعار الفائدة للمرة الخامسة على التوالي، وأهمية التأكّد فترة أطول حتى تستقر مستويات الأسعار في الاقتصادات، ولضمان حماية دخول الأفراد من التآكل المحدق بها جرّاء استمرار معدل التضخم عند مستوياته الراهنة، وضمان ألا يعود إلى الارتفاع مجدداً ما سيصعب معه السيطرة عليه، وكيلا تضطر البنوك المركزية إلى رفع أسعار الفائدة مجدداً، وقد تضطر أيضاً إلى رفعها بأعلى من المستويات القياسية التي بلغتها حتى تاريخه.

لا تقف رؤية البنوك المركزية عند حدود ما تقدّم ذكره أعلاه، بل تأخذ في الحسبان مؤشرات أساسية أخرى لأداء الاقتصاد الكلي، بدءاً من النمو الاقتصادي المستدام ومعدل البطالة، التي متى ما خرجت عن مسارها بصورةٍ غير مألوفة، كأن يتباطأ النمو الاقتصادي بصورةٍ أقرب إلى الركود، أو ارتفاع معدل البطالة بوتيرةٍ متسارعة إلى أعلى من 4 % فأكثر، أو لأي أسبابٍ مفاجئةٍ ترتبط بزيادة حدة الاضطرابات الجيوسياسية عالمياً، وما قد ينتج عنها من انعكاساتٍ سلبية على الاقتصاد العالمي والتجارة الدولية، كل هذا سيؤدي بكل تأكيدٍ إلى تغير قناعات البنوك المركزية، واندفاعها نحو اتخاذ قراراتٍ بخفض أسعار الفائدة، حتى بأسرع مما سبق أن توقعته وأعلنت عنه في تصريحاتها الأخيرة، وهذا أمر سبق حدوثه بالتزامن مع الأزمات العالمية التي شهدها الاقتصاد العالمي خلال العقدين الماضيين.

إنشرها