التعامل والإنتاجية والتعاطف في مكان العمل

لا يُعَدُّ أمرا نادرا أن نواجه أفرادا يعانون اضطرابات نفسية أو سلوكيات متطرفة أو التصرف بطريقة يصعب تفسيرها في مكان العمل. وخلافا لما يحصل في العادة عندما يتم تفسير هذه الظواهر بجهل أو بسوء نية أو بالتنمر والتهكم عليهم، هناك ثلاث حقائق يجب أخذها في الحسبان. أولا: هذه الحالات موجودة في كل مكان، وهي أمر طبيعي يتطلب حسن التعامل، وليس الاستنفار أو التجاهل. ثانيا: أن بيئة العمل لا تسمح باستكشاف كل تفاصيل أو مسببات هذه الحالات، لذا قدرة التدخل محدودة، وقدرة الفهم محدودة أيضا. من المهم ألا نطلق الأحكام المطلقة أو نتوقع العادي من الشيء غير العادي. ثالثا: قد تظهر هذه الأمور عند أي مستوى، فهي ليست خاصة بموظف ضعيف منزوي يعاني اجتماعيا، قد تكون موجودة لدى تنفيذي متسلط أو زميل نشط. قائمة الاضطرابات النفسية المسجلة تتجاوز 200 اضطراب، وقائمة التحيزات السلوكية متجددة ولا تنتهي، إضافة إلى أن الإنسان مبتكر متمكن يصنع دائما طرقه الخاصة للتعامل مع الآخرين، بعضها ليس مما يعرف في العادة. يتطلب التعامل مع هؤلاء الأفراد توازنا حساسا بين إنجاز المهام وتقديم الدعم والتفهم. يمكن أن يواجه الفرد صعوبات فريدة عند التعامل مع الأشخاص الذين يعانون اضطرابات ثنائية القطب غير المشخصة، أو أولئك الذين يظهرون سمات النرجسية، والأشخاص المتحيزين، أو الذين يمتهنون الصريخ والتشنج في اجتماعاتهم أو الذين يفرطون في التفاعل العاطفي. قد يكون سلوكهم غير متوقع أو غير مرغوب فيه أو مزعجا، ما يجعل التعامل مع هذه الحالات بوعي وتعاطف أمرا ضروريا. قد يشكل سلوك هؤلاء مطبا في مشروع، أو حجر عثرة أمام إنتاجية فريق، أو يحفز للاختلاف المرهق داخل المنظومة. وربما أدى وجود مثل هؤلاء إلى قرارات سريعة غير ملائمة، أو عطل آلية اتخاذ القرار، لأن أحدهم تفاعل مع هذا التباين في السلوك المتوقع بشكل سلبي، ما صنع سلسلة من التفاعلات السلبية التي يصعب السيطرة عليها. ليس أمرا نادرا أن نواجه أشخاصا ذوي شخصيات وسلوكيات وخلفيات متنوعة في بيئات العمل. قد يظهر بعض الأفراد سلوكا غير متوقع أو غير مرغوب فيه بسبب تحديات صحية نفسية أو سلوكيات متطرفة. من المهم أن نقترب من مثل هذه الحالات بالتعاطف والفهم والتركيز بهدف إيجاد حلول تعزز بيئة عمل آمنة ومنتجة. إدراك علامات وأعراض الاضطرابات النفسية أو السلوكيات الشديدة يمكن أن يساعد على فهم سلوك الفرد والتحديات المحتملة التي يمكن أن يواجهها. يمكن أن يساعد هذا الوعي أيضا على التمييز بين السلوكيات التي تنجم عن مشكلات صحية نفسية، وتلك التي قد لا تكون ذات صلة. في بعض الحالات، قد يكون التدخل ضروريا لضمان استقرار مكان العمل بشكل عام. يمكن أن يشمل ذلك الاستعانة بمساعدة من المتخصصين في الصحة النفسية، وإشراك إدارة الموارد البشرية أو الإدارة، أو تنفيذ سياسات وإجراءات مناسبة للتعامل مع التحديات المحددة. من المهم أن نلاحظ أن الأفراد الذين يعانون اضطرابات نفسية أو سلوكيات شديدة قد يواجهون تحديات، إلا أن لديهم أيضا حقوقا ويستحقون الاحترام والتفهم. على الرغم من أهمية دعم الأفراد الذين يعانون اضطرابات نفسية أو سلوكيات شديدة، إلا أن الحفاظ على الإنتاجية في مكان العمل أمر لا يقل أهمية. يتطلب التوازن ضبط أساليب التواصل لتلبية احتياج هذه الحالات مع التقليل من التشويش، واستمرار محاولات الدمج ضمن فرق العمل، وتحديد مستوى النشاز الموجود، وهل يتطلب التكيف أم التدخل؟ ولتعزيز التفهم والتعاطف، هناك عدد من الخطوات التي يمكن القيام بها، التي تساعد على تقييم الوضع إجمالا، ومنها التثقيف الذاتي والتعلم، والاستماع بتعاطف، واختيار التوقيت المناسب للتفاعل، واستخدام لغة غير موجهة، والتعبير عن الدعم، والاستعانة بالمساعدة المهنية، بدءا من الإرشاد السلوكي والاجتماعي حتى العلاج النفسي.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي