التمايز بين النمو والتوسع الاقتصادي
كل الدول النامية تواجه تحديا رئيسا في السياسات العامة، يقتضي التمايز بين النمو والتوسع الاقتصادي. في هذا الشأن لعل أفضل النصائح التي سمعتها في الاقتصاد نصيحة Do No Harm- تفادي الأخطاء أولا. أحد الأخطاء الشائعة في إدارة التنمية الاقتصادية يتمخض في عدم التمييز الواضح بين النمو والتوسع، خاصة أن أغلب التشخيص والطرح الفكري وتحليل السياسات الاقتصادية يأتي من الغرب، الذي لا يحتاج إلى هذا التمايز بقدر حاجة الدول النامية، لسبب عملي واحد: أنه كلما ارتفعت في سلم التنمية الاقتصادية تقلصت الحاجة إلى التمايز. النتيجة العملية أن من يبحث في التمايز بدقة وصبر سيواجه كل من استعار من الدول والمؤسسات الغربية الدولية والخاصة، وغالبا يخسر النقاش، خاصة أن حيثيات النقاش في التفاصيل تصبح سريعا أكاديمية ومعرفية، بينما هناك حلول معلبة عليها إجماع في دوائر صنع القرار في أغلب الدول النامية. كما أن هناك ناحية عملية أخرى تشوه المنظار الفكري: أغلب الدول النامية حققت نموا اقتصاديا بسبب مصدر في جوهره توسعي يتمثل في بدايات مصدرها ثروة سلعية، وبالتالي تكون المراهنة على المألوف أقوى، تمشيا مع يسميه الاقتصاديون path dependency - الطريق المألوف.
التوسع والنمو فكرتان مختلفتان لكن بينهما علاقة قوية ودقيقة تسمح بالتلاعب بينهما. التوسع عادة يتمثل في ارتفاع أرقام الدخل القومي الإجمالي GDP لفترة زمنية محددة بغض النظر عن المحركات وطبيعة حراكها وجودة البناء الاقتصادي والتنموي. يصاحب التوسع زيادة فرص الأعمال وتحسن في المعيشة وفرص أعمال أكثر وزيادة دخل الحكومات من الضرائب. من عيوب التوسع أنه يخفي التعرف على تحديد وتصنيف مصادر النمو العضوية التي تكفل الاستدامة مثل التكوين المعرفي والتقني والعلمي. كذلك التوسع عادة يجر إلى استغلال الموارد الطبيعية بشراهة، وإلى تحجيم المساواة في المجتمعات، لأن الفرص غالبا ما تكون إما غير متكافئة أو تكون عامة إلى حد طمس دور الجدارة والمنافسة. كما أن التوسع يساعد أحيانا على الضرر البيئي، لأن تسعير المواصلات وبعض الخدمات غالبا غير اقتصادي. الأخطر أن هذه الأدوار الاقتصادية توجد تشابك مصالح في المجتمعات غير صحي، لكنه يغذي نفسه، فمثلا يعاني التعليم العالي الخلط بين الشكليات والتعليم الرصين، ما يخل ببناء النخبة التكنوقراطية.
يقابل ذلك تعريف النمو بأنه الزيادة الاستيعابية في الاقتصاد لإنتاج السلع والخدمات على مدى فترة طويلة، حيث إن أهم مصدر للنمو ارتفاع الإنتاجية التي من أهم محركاتها انتشار التعليم الجيد خاصة الفني والتقني للعامة وارتقاء سلم البحث والتطوير في القطاعين العام والخاص. النمو الاقتصادي المستمر يقود إلى تحسن مؤثر في جودة الحياة للأغلبية ولتقليص الفقر. إحدى تبعات النمو الاقتصادي القدرة التنافسية عالميا في التصدير وجذب الاستثمارات الدولية المباشرة. من التبعات السلبية للنمو أن هناك حاجة أكثر إلى الضرائب، لأن التوزيع الطبيعي للنمو يقود إلى نجاح قطاعات وفشل أخرى، وبالتالي هناك حاجة إلى إعادة النظر في سياسات التوزيع من فترة إلى أخرى، وهذه تصحابها غالبا تجاذبات مجتمعية تحتاج إلى وضوح في الرسالة والأهداف. ولعله من الأفضل لهذه الدول عدم التسرع في التوسع قبل اليقين بالنمو. ربما أفضل ما يحرس التمايز بين النمو والتوسع يقظة القائمين على السياسة الاقتصادية، ومؤسسة فكرية على درجة من الكفاءة التحليلية، والمسافة بين الفعاليات الاقتصادية.