الاقتصاد الرقمي.. هل هناك خسائر؟

ما الاقتصاد الذي يمكن وصفه بالرقمي، وما فوائده، وهل يتعرض لخسائر؟ هذه تساؤلات تستحق الطرح لأننا محاطون في هذا العصر بالعالم السيبراني المتجدد، والممكن للاقتصاد الرقمي، ومعطياته المتطورة. ولعلنا، في التوجه نحو توضيح ما سبق، نبدأ بالنظر إلى الاقتصاد، في إطاره العام، كمنظومة عمل تتطلع إلى تحقيق أهداف منشودة، تتمثل في معطيات تحمل قيمة، يستفيد منها قطاع مستهدف، محاط ببيئة مؤثرة تتمتع بخصائص محفزة، أو ربما معيقة للاستفادة من المعطيات. وتمتلك مثل هذه المنظومة عادة، وسائل بشرية ومالية وتقنية مختلفة، تستخدمها للقيام بنشاطاتها وتقديم معطياتها المطلوبة التي تحقق الأهداف المنشودة. ويكون لهذه المنظومة بالطبع معايير أداء ترصد حالتها دوريا، فضلا عن متابعة ما يجري من مستجدات حول طبيعة نشاطاتها ومعطياتها، حيث يساعد ذلك على توجيه مسيرتها نحو الأفضل. نستطيع، انطلاقا من هذه النظرة، طرح مختلف جوانب الاقتصاد الرقمي. تشمل معطيات هذا الاقتصاد خدمات معلوماتية، في شتى المجالات، تستهدف الإنسان، والمؤسسات الحكومية، والشركات الخاصة، وتمتد أبعاد هذه الخدمات لتشمل، ليس فقط الأفراد والمؤسسات والشركات على مستوى دولة من الدول، بل على مدى العالم بأسره. وتستند هذه الخدمات إلى الوسائل التقنية المتطورة للعالم السيبراني، بما في ذلك الإنترنت، وما عليها من مراكز خدمات معلوماتية، كخدمات الحكومة الرقمية، والتجارة الرقمية، وخدمات التواصل الاجتماعي، والعمل المعلوماتي عن بعد في شتى المجالات. ويضاف إلى ذلك ما يعزز هذه الخدمات من تقنيات حديثة، مثل تقنيات إنترنت الأشياء والحوسبة السحابية، ومثل تقنيات الذكاء الاصطناعي المتنامية، ومثل تقنيات حماية أمن العالم السيبراني المعنية بتأمين بيئة عمل آمنة، إضافة إلى وجود صناعات سيبرانية مختلفة. وبالطبع تحتاج هذه الوسائل التقنية، وما تقدمه من خدمات، إلى موارد مالية وقدرات بشرية، تكون بمنزلة استثمار في معطيات الخدمات. ففي هذه الخدمات قيمة كبيرة للمستفيدين. وتشمل هذه القيمة جانبين رئيسين: جانب القيمة الناتجة عن التوفير من جهة، وجانب القيمة الجديدة غير المسبوقة من جهة أخرى. فكل مستخدم لخدمات الحكومة الرقمية، أو التجارة الرقمية، أو العمل عن بعد، في شتى المجالات، يعرف، على سبيل المثال، كم توفر له هذه الخدمات من زمن، ومن تكاليف نقل، ومن أوراق، ومن تلوث للبيئة، بل ومن معاناة على الطريق بين مكانه وأماكن تقديم الخدمات. ولا شك أنه يشهد أيضا الشفافية، غير المسبوقة، التي يتمتع بها في متابعة متطلبات الخدمات، وتفعيل إنجازها بالسرعة اللازمة. تصب القيمة المرتبطة بكل ما سبق من توفير، ومن عطاء جديد غير مسبوق، يحظى بهما ملايين من الناس، وعديد من المؤسسات، في عوائد الاقتصاد الرقمي. وقد نجحت الخدمات الحكومية الرقمية في السعودية، وكذلك التجارة الرقمية، عبر انتشار خدماتهما، على نطاق واسع، في تعزيز عوائد الاقتصاد الرقمي. وعلى الرغم من أن العمل عن بعد قدم تجربة إيجابية في الإسهام في الاقتصاد الرقمي، تحت ضغط "فيروس كورونا الخبيث" قبل أربعة أعوام، إلا أن الأمر تعثر بعد ذلك حيث عادت كثير من الوظائف والمهمات المعلوماتية إلى النظام الحضوري. وفي ذلك بالطبع تراجع لما يمكن أن يرفد الاقتصاد الرقمي بمزيد من العوائد، أي ما يمكن أن يعد خسائر لهذا الاقتصاد. أمام ما سبق، هناك ملاحظتان مهمتان، يجب طرحهما. ترتبط الملاحظة الأولى بحقيقة أن بيئة عمل المستفيدين المستهدفين من خدمات العمل عن بعد لم تنضج بعد، ولا بد من دراسة هذه البيئة والكشف عن أسباب إعاقتها لعوائد الاقتصاد الرقمي، وإيجاد الحلول اللازمة لحجب هذه الإعاقة. أما الملاحظة الثانية فتتعلق بالجيل الجديد الذي نشأ مع التقدم الذي يشهده العالم السيبراني، والذي يدخل سوق العمل حاليا، فقد اعتاد هذا الجيل على خدمات العالم السيبراني ومزايا الاقتصاد الرقمي، وسيكون من الصعب إقناعه بالعمل الحضوري في المهمات المعلوماتية. إننا في عصر رقمي متجدد، علينا ليس فقط الاستفادة من معطياته الحالية، بل الاستعداد أيضا لما هو آت في المستقبل.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي