البطاقات الائتمانية ومخاطر التعثر المالي

البطاقات الائتمانية أصبحت اليوم إحدى أهم الخدمات التي تقدمها المصارف والبنوك، بل وحتى المؤسسات المالية من غير البنوك، حيث تحقق هذه البطاقات عوائد عالية من خلال استخدام المستهلكين لها بصورة كبيرة في معاملاتهم في البيع والشراء، وتتميز هذه البطاقات بأن العائد للجهات المصدرة لها أكبر بكثير من خيارات التمويل الشخصي، حيث إن استخدامها في كل عملية يعني أن الجهة المصدرة للبطاقة ستحصل على عائد يصل إلى 2.5 % في فترة سماح لا تتجاوز 50 يوما تقريبا في أقصى تقدير، حيث تراوح المدة المحتملة لسداد قيمة المشتريات بين 20 و50 يوما بعائد، وفي حال تكرار العملية في العام قد يتجاوز العائد 20 %، وهذا ما يجعل هذه البطاقات مصدر عائد جيد للجهات المصدرة، ولذلك أصبحت المصارف والمؤسسات المالية تتنافس في إصدار هذه البطاقات وتشجع عملاءها على استخدامها وتقدم لهم خدمات فريدة، من خلال احتساب النقاط وتقسيط بعض المشتريات وتقديم خصومات بالتعاون مع بعض المتاجر، ما جعل الإدمان على استخدامها يزيد بصورة كبيرة على المستوى العالمي.

وفي السعودية أيضا، حيث إنه في تقرير لصحيفة "الاقتصادية" ذكر أن حجم استخدام البطاقات الائتمانية زاد بصورة ملحوظة في العام الماضي 2023 مقارنة بعام 2022 بـ17 %، وهذه نسبة عالية باعتبار أنها خلال عام فقط، وهذا مؤشر على حجم المخاطر التي يتعرض لها المستخدمون لهذه البطاقات، حيث بلغ حجمها أكثر من 27 مليار ريال بعد أن كان 23 مليار ريال.

مخاطر البطاقات الائتمانية تكون في عنصرين أساسيين، الأول هو أنها تقدم للمستفيد رصيدا إضافيا، فإذا ما استخدم هذه البطاقة دون أي حسابات لقدراته المالية فقد يتعثر أو يستمر في دائرة المديونية لمدة طويلة لتسوية هذه المبالغ التي استخدمها وهي تفوق رصيده الحالي، والعنصر الآخر هو أنه عندما يتعثر المستفيد في البطاقات الائتمانية فإن الغرامات التي تترتب عليه عالية ومستمرة إلى أن تتم تسوية المديونية مع الغرامة، علما بأنها قد تكون تراكمية، ما يعني أن المديونية أعلى من المبلغ الذي استخدمه.

وفي بعض دول العالم مثل الولايات المتحدة تعد مديونيات البطاقات الائتمانية واحدة من المخاطر الائتمانية التي يمكن أن تعيد قصة أزمة الرهن العقاري بسبب التعثرات لكثير من المستخدمين، كما أنها تبلغ مديونياتها لدى البعض ممن يسيء استخدامها آلافا من الدولارات. الاستخدام المفرط للخدمات المالية، التي تمكن الفرد من الحصول على السلعة الآن مع إمكانية الدفع مستقبلا، ومع وجود المغريات وتنافس الأفراد في اقتناء السلع والحصول على الخدمات باهظة الثمن، قد يؤدي إلى تعثر مستمر ومتسلسل، ويجعله يعتاد على الإنفاق بصورة أكبر من قدراته المالية، ما يولد لديه حالة تعثر مستمرة تضر بقدرته على الترتيب لاحتياجاته الأساسية مثل السكن والأسرة والنقل، وتعوق أيضا فرص إمكانية العمل على تنمية قدراته للحصول على فرص عمل وكسب أفضل. تجربة الصكوك الحكومية يمكن أن تحسن سلوكنا المالي، حيث تتطلب الاستفادة منها الصبر لمدة عام كامل للحصول على العائد، ما يعزز من إعادة ترتيب السلوك المالي للفرد، والأرقام الحالية لهذا الطرح وإن ظهرت أنها ليست كبيرة، لكن هي خيار مستدام، وتحتاج إلى وقت ليلمس المستفيد منها الأثر.

فالخلاصة أن البطاقات الائتمانية وكل وسائل اقتناء السلع حالا والدفع لاحقا تمثل مخاطر ائتمانية ما لم يكن هناك وعي، ولذلك من المهم ألا تكون خيارات لمن يتجاوز ذلك قدراته المالية.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي