Author

البطاقات الائتمانية ودرء المفاسد

|
كبير الاقتصاديين في وزارة المالية سابقا

كيف نشأت هذه البطاقات؟ البداية قبل 70 عاما تقريبا، جدال بين ماكنمارا في أمريكا والمسؤول عن الحساب في أحد مطاعم نيويورك، خلاصته بدلا من أن استلف من البنك أولا، ثم أسدد لكم، ثم أرجع مرة أخرى إلى البنك للسداد، لماذا لا تأخذون قيمة ما طلبناه من البنك اعتمادا على بطاقتي البنكية؟ وأسدد للبنك لاحقا. وتساؤله يستهدف اختصار الخطوات، التي رؤي أن بالإمكان اختصارها، بل استحسن اختصارها.

استفاد ماكنمارا من الواقعة، بأن أسس مع بعض أصدقائه شركة وساطة بين البنك وبعض المطاعم في 1950، بعد عمل بعض الترتيبات القانونية والتسويقية، ومنها السداد شهريا للبنك من حسابه. ولقيت فكرتهم من خلال شركتهم نجاحا فوق المتوقع. ومع مرور الأعوام حصلت تطورات طبعا. أضيفت وظيفة الإقراض. تحولت البطاقة من بطاقة ائتمان محضة إلى بطاقة ائتمان ودين، بفوائد تزيد عن الفوائد التي تتقاضاها البنوك.

ارتفاع الفوائد والأرباح التي يحصل عليها مصدرو البطاقات حفزتهم على ترغيب الناس في الحصول على البطاقة، وترغيبهم في ألا يدفعوا كل شهر إلا الحد الأدنى من المطلوب دفعه. وساعد على توسع الاستخدام تطور وسائل النقل، فكثرة الأسفار، وتوسع الأسواق والاقتصادات، ومستجدات في إدارة الدخل والتدفق النقدي لدى الأفراد والمؤسسات الصغيرة، لمواجهة نقص المال وقت الشراء.

لكن في المقابل هناك مشكلات في استخدام البطاقة، أكبر مشكلة تكمن في الإفراط في استعمالها. سهلت البطاقة على الناس الحصول على سلع وخدمات كثيرة، خاصة تحت ظروف كالسفر، وتبعا لذلك كثرت وكبرت ديون الناس في مختلف الدول، خاصة في دول، وهي بطبيعتها ديون مكلفة، كما تتسبب في إحداث أو زيادة اختلال الميزان التجاري لدول "بصورة مبسطة زيادة الاستهلاك تعني زيادة الاستيراد، وإذا لم تقابله زيادة في التصدير ينشأ عجز الميزان التجاري"، كما أن من المشكلات الرئيسة ظاهرة انتشار السرقات من خلال البطاقات.

يسأل كثيرون عن مدى الجودة في استخدام البطاقات الائتمانية. من الصعب الإجابة عن هذا السؤال بدون الحصول على معلومات منهجية يعتمد عليها.

أنواعها: هناك عدة أنواع من البطاقات، حسب قطاع المستعمل "بكسر الميم". هناك بطاقات لاستعمال المؤسسات التجارية، وهناك بطاقات لاستعمال الأفراد.

والأصل أن نفترض أن بطاقات الأفراد تستخدم بصورة أساسية في تمويل الاستهلاك الجاري. والبطاقة أصلا أصدرت لهذه الغرض. وهناك نسبة غير كبيرة في تمويل استعمالات أخرى، كتمويل بعض احتياجات استثمارية وقت الضائقة.

معروف أن معدلات الفائدة التي تتقاضاها شركات البطاقات عالية، خاصة مع حاجة الناس إلى تمويل قصير المدى نسبيا. هذا من طبيعة البطاقات الائتمانية على المستوى الدولي أولا ثم المحلي في الدول، وترتفع معدلات الفائدة أكثر في البلدان ذات البنوك القليلة، حيث تقل المنافسة.

طبعا هناك تشديد في الإجراءات التي تسمح بالترخيص لبنوك، وهذا التشدد موضع نقاش واختلافات في حدوده. وفي هذا تظهر قاعدة "درء المفاسد مقدم على جلب المصالح". العمل بهذه القاعدة الفقهية أصل، إلا أنه ينبغي فهمها جيدا. فأهل العلم بينوا أن تقديم درء المفاسد ليس مطلقا، بل في حال إن كانت المفسدة لها صفات تجعل محاربتها أهم من جلب المصالح، ومن ثم ينبغي أن ندرس حجم المفاسد وحجم المصالح، ونوازن بينهما. وعموما هذا موضوع طويل مستقل.

استخدام البطاقة قد يحفز على استخدامات غير مشروعة، لكن هذه مشكلة عامة وليست خاصة بالبطاقات الائتمانية. كل استخدام قد يجر معه إلى ممارسات غير مشروعة. ومن شأن السلطات المعنية في الدول محاربة هذه الممارسات.           

إنشرها