مخاطر صناعة التعدين

يعد التعدين من الصناعات الضخمة التي ترتكز عليها رؤية المملكة 2030، خصوصا بعد إعلان وزير الصناعة والثروة المعدنية في مؤتمر التعدين الدولي أن قيمة الثروات المعدنية المقدرة في المملكة تبلغ 9.37 تريليون ريال. وتشكل ظروف التمويل غير المواتية حاجزا كبيرا أمام الاستثمارات الضرورية لصناعة التعدين في العالم حيث تضاعف مخاطر الاستثمار الحقيقية من تكلفة تمويل المشاريع بصورة عامة. ومن المعروف أن صناعة التعدين تتسم ببيئة مليئة بالمخاطر المعقدة والمتنوعة، حيث تدور مخاطر حول عمليات التعدين بعد البحث والمسح في الأدبيات والتقارير الدولية والاستشارية.
ويصنف المسؤولون التنفيذيون المخاطر البيئية والاجتماعية والحوكمة في صناعة التعدين كأكبر خطر على أعمالهم، وفقا لتقرير شركة EY لأكبر 10 مخاطر وفرص تجارية للتعدين والمعادن في 2024. ومع مشاركة أكثر من 150 مشاركا على مستوى العالم، تعد هذه هي السنة الثالثة على التوالي التي تتصدر فيها سجل هذه المخاطر. ورأت أيضا شركة KPMG على أن المخاطر البيئية والاجتماعية والحوكمة لا تزال بارزة، بينما أشارت إلى أن مخاطر أسعار السلع الأساسية ستظل خطرا تواجهه الصناعة مسبقا، لكن هذا الخطر أصبح أقل حدة من الخطر السابق (المخاطر البيئية والاجتماعية والحوكمة). لقد أصبحت القضايا المتعلقة بالأزمات الجيوسياسية وعدم الاستقرار السياسي والتأميم والحروب التجارية العالمية تلوح في الأفق بشكل كبير.
ولعل من المثير للاهتمام هو أن الشركات تصنف الوصول إلى المواهب الرئيسة على اعتبار أنه الخطر الذي تواجهه مؤسساتها. إن هناك شعورا بأن التعدين يحتاج إلى موجة جديدة من المواهب (رأس المال البشري) لتحقيق مجموعة من الأدوار المتخصصة، وتتسع هذه الاحتياجات بشكل متزايد في محللي البيانات والتحول الرقمي والذكاء الاصطناعي وتقنيات الثورة الصناعية الرابعة ومهندسي الحاسب ومتخصصي البيئة وخبراء التربة والمياه والإدارة، وقد وجـه التقرير إلى ضرورة إيجاد وظائف ومهارات نوعية تتمحور حول التغير المناخي والخبرة في أسواق الكربون.
ولا يزال خطر القدرة على الوصول إلى الاحتياطيات واستبدالها أمرا مهما، فقد قفزت عدة مراكز في تصنيفات المخاطر، وتم تسليط الضوء عليها باعتبارها واحدة من المخاطر الرئيسة في كندا. وتظهر قضايا سلسلة التوريد كأحد المخاطر المحتملة فهي تؤدي إلى ارتفاع تكلفة المواد والإمدادات. وفي حين بدأت الاقتصادات على مستوى العالم تتصارع مع الضغوط التضخمية، فإن تكاليف الطاقة للشركات أخذت ترتفع بشكل صاروخي، ولا ننسى أن هناك أيضا ضغوط تصاعدية على الأجور.
ويتفق كثير من الرؤساء التنفيذيين على أن ثمـة حاجة ماسة إلى دمج بعض عمليات الصناعة التشغيلية لإدارة التكاليف، ولن يؤدي ارتفاع معدل التضخم إلا إلى زيادة تلك التكاليف. وتشكل التغييرات والأعباء التنظيمية والامتثالية معضلة لبعض الدول حيث إن المخاطر التي تنشأ من العوامل الخارجية، مثل الأنظمة البيئية والعوامل الجيوسياسية، تستهلك بالفعل وقتا من التفكير الاستراتيجي. إن الحصول على التصاريح اللازمة قد يمثل معضلة إذ يستغرق الحصول على التصاريح اللازمة لبدء عمليات التعدين في الولايات المتحدة من سبعة إلى عشرة أعوام المتوسط، بينما يبلغ متوسط فترة التصاريح فيهما عامين في دول مثل كندا وأستراليا، وهما دولتان تطبقان أنظمة بيئية صارمة.
لقد اتفقت أغلب الأصوات التي شملتها الدراسات والتقارير على الحاجة إلى استراتيجية واضحة وقابلة للقياس فيما يتعلق بالجوانب البيئية والاجتماعية والحوكمة لصناعة التعدين، لكن لا تزال توقعات المستثمرين غير واضحة بشكل جيد أو غير متسقة في السوق العالمية.
وفي حقيقة الأمر، أضحت هذه المخاطر تمثل عقبة كبرى أمام شركات التعدين للنمو وأن النجاح على المدى الطويل سيصبح معتمدا بشكل متزايد على تعريف النجاح بأكثر من مجرد مصطلحات مالية، ما يتطلب معه الحاجة إلى النظر بشكل أكثر دقة وشمولية إلى عوائد أصحاب المصلحة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي