Author

هل بلغ الاقتصاد الصيني ذروته؟ «2 من 2»

|

يدرك صناع السياسات في الصين أن التحول أمر حتمي في قطاع العقارات، وهم ملتزمون بضمان حدوث مثل هذا التحول بسلاسة، وعلى نطاق أوسع أدت الإصلاحات الهيكلية التي تم تنفيذها بالفعل إلى تعزيز صلابة ومرونة الصين الاقتصادية، على الرغم من التعريفات الجمركية الأمريكية، ظلت الصادرات الصينية قوية، وفي الوقت نفسه، تشهد قطاعات جديدة -من الخدمات إلى الاقتصاد الرقمي والصناعات التكنولوجية المتقدمة- نموا سريعا.
يساعد كل هذا على تفسير السبب وراء تحقيق الصين نموا بلغ في المتوسط 6.6 في المائة على مدى ثلاثة أعوام وذلك في الفترة 2017ـ 2019، بينما أدت جائحة كوفيد- 19 إلى انخفاض النمو في 2020، انتعش الاقتصاد مجددا وبقوة في 2021، حيث ارتفع بمعدل 8.1 في المائة، ومن المرجح أن يتجاوز معدل النمو في 2023 نسبة 5 في المائة بقليل، حتى عمليات الإغلاق في 2022 لم تمنع النمو.
إن هذا لا يعني أن الصين قد خرجت من الجائحة دون أضرار، حيث نتج عن ثلاثة أعوام من انخفاض فرص تحقيق الدخل إلى الحد من قدرة المستهلكين الصينيين على تعزيز التعافي السريع بعد الجائحة. يتعين على الحكومة الآن مضاعفة جهودها لدعم الطلب المحلي وإيجاد فرص العمل، وذلك من خلال اتباع سياسات نقدية ومالية أكثر توسعية خلال العامين المقبلين.
يتعين على صناع السياسات في الصين أيضا العمل على التعجيل بتحرير بعض الصناعات، فعلى سبيل المثال، يجب التخلص من القيود في أقرب وقت ممكن على الخدمات الإنتاجية التي تمنع دخول رأس المال الخاص والأجنبي، ومن حسن الحظ أن هناك دلائل تشير إلى أن السلطات تدرك هذه الضرورة الحتمية، حيث منحت الهيئات التنظيمية المالية أخيرا ترخيص مقاصة البطاقة المصرفية لشركة ماستركارد الأمريكية، كما طبقت الصين من جانب واحد إجراءات الدخول للصين دون تأشيرة لست دول -بما في ذلك فرنسا وألمانيا وإيطاليا- في الشهر الماضي.
لم يتوقع أحد أن تنجح الصين في استدامة نمو يتجاوز 10 في المائة إلى الأبد، حيث كان من المتوقع أن يتباطأ تراكم رأس المال، كما كان من المتوقع أيضا أن تضعف الأرباح المبكرة الناتجة عن المحركات الهيكلية للنمو، والآن سيتطلب النمو الاقتصادي مزيدا من الإنفاق على الاستهلاك الأسري، بدلا من الإنفاق على الاستثمار.
لهذا السبب فإن من المتوقع أن تعمل حكومة الصين بشكل عاجل على خفض حصة الاستثمار في الناتج المحلي الإجمالي ودعم الاستهلاك الأسري، على سبيل المثال من خلال تحويلات الدخل وبرامج أقوى للرعاية الاجتماعية "التي من شأنها أن تمكن الأسر من تقليص المدخرات الاحترازية" حيث سيؤدي ذلك إلى إيجاد سوق محلية مزدهرة وتشجيع التوسع في صناعة الخدمات ودعم التحول إلى النمو المستدام.
إن الاقتصاد الصيني لم يستنفد إمكاناته التنموية، ولم ينضج إلى الحد الذي يفقد فيه حيويته، على الرغم من أن الوضع الحالي للاقتصاد جعل عملية إعادة التوازن أمرا ممكنا، إلا أنه يفتح أيضا نافذة زمنية للقيادة الصينية من أجل الالتزام بتنفيذ الإصلاح الهيكلي. إن من المؤكد أن النمو يتباطأ وأن السياق العالمي يتغير، الأمر الذي يؤدي إلى إيجاد شعور بالطبيعة الملحة لهذا الأمر، لكن من المرجح أن يصب ذلك في مصلحة البلاد بحيث يسرع الإصلاحات الهيكلية التي يحتاجها نموذج النمو الناشئ فيها.

خاص بـ"الاقتصادية" بروجيكت سنديكت، 2024.

إنشرها