«كوب 28» .. بعد العاصفة
اختتم مؤتمر الأمم المتحدة الأخير للمناخ "كوب 28" الشهر الماضي الذي استضافته الإمارات، وقد عاشت الدول المشاركة في حالة مد وجزر في الحديث حول الوقود الأحفوري. ودعا البيان النهائي للمؤتمر إلى "خفض كل من استهلاك وإنتاج الوقود الأحفوري في إطار عادل ومنظم وبطريقة منصفة لتحقيق صافي الصفر بحلول 2050، أو قبله أو نحوه بناء على ما يوصي به العلم" ومع أن البيان النهائي لم يتطرق إلى التخلص النهائي من الوقود الأحفوري، إلا أنه أوصى بالتخفيض المتدرج حسبما تقتضي حالة الدولة المعنية ومتغيرات السوق، وهذا مقنع ولا يدعو إلى القلق والريبة نظير ما آلت إليه ظروف كوب 28. ولكن يحق لنا التساؤل عما إذا كان هذا مؤتمرا لمعالجة التغير المناخي وخفض الانبعاثات، أم استهدافا مباشرا نحو وأد الوقود الأحفوري؟ لقد كان الضغط ضد الوقود الأحفوري غير مبرر بل ضرب من الجنون والتهور ربما يصل إلى نقطة تحول مع عواقب وخيمة لا تحمد عقباها، لأن عموم الصناعات والناتج القومي الاقتصادي العالمي يعتمد على الطاقة التي ترتكز أساسا على الوقود الأحفوري، وهذا يسيء إلى استدامة الصناعات وديمومتها في العالم. ويتصدر الفحم قائمة الطاقة حاليا يليه الغاز الطبيعي ثم الطاقة الكهرومائية في إنتاج الكهرباء، وعليه يظل الوقود الأحفوري يمثل أكثر من 70 في المائة من الإمدادات وسيكون مستحيلا لانخفاض هذه النسبة في 2030، وفي المقابل، مثلت مصادر الطاقة المتجددة، مثل طاقة الرياح والطاقة الشمسية 14.5 في المائة من إجمالي توليد الكهرباء.
لقد احتفظ الوقود الأحفوري بدور رئيس في تأمين إمدادات الطاقة بكل أشكاله الصناعية بينما يتم العمل على إزالة الكربون من عموم الصناعات "من قبل الدول الأعضاء المنتجة للبترول خاصة" وتأخذ التغير المناخي على محمل الجد ولديها سجل حافل في مراجعة الإجراءات المناخية. إن تحول الطاقة بات أمرا واقعيا بدأنا نشاهده في العالم، ولكن هناك زوابع تثيرها دوافع سياسية من قبل قوى وحملات مغرضة لإيقاع الضرر على رخاء الشعوب ومستقبلها. إن الهدف من مؤتمرات الأمم المتحدة للمناخ هو الدعوة إلى خفض الانبعاثات الغازية بطرق معقولة وقابلة للتطبيق ولكن دون الإضرار باقتصادات الدول والمساس بنوع معين من مصادر الطاقة لديها وفرض أجندة سياسية. وبدراسة أكثر الدول التي تطلق الانبعاثات، نجد أنها الصين والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والهند، ويتم استهلاك أكثر من ثلاثة أرباع إجمالي الكهرباء المولدة بالفحم في العالم في ثلاث دول فقط: الصين والهند والولايات المتحدة. كيف تعامل هذه الدول مع دول أخرى أقل منها شأنا في الناتج الاقتصادي، على سبيل المثال في إفريقيا؟ وكيف يطلب من تلك الدول النامية الالتزام بالتغير المناخي وهي لا تجد مصدرا آخر تعيش به إلا من خلال الوقود الأحفوري؟ أين حق المساواة والعدالة الاجتماعية الذي نص عليه ميثاق الأمم المتحدة؟ ورغم وجود توصية حيال فقر الطاقة، إلا أنها لم تعالج تحدي تمويل المشروعات.
لو نظرنا إلى بقية مصادر الطاقة، فالطاقة الشمسية والرياح متذبذبة ولا يعتمد عليها في الأحمال الكهربائية الأساسية، فمثلا "معامل الحمل أقل من متوسط" إلا من خلال تخزين طاقة "بطاريات" التي ذات تكاليف باهظة، ولكن الطاقة الشمسية والرياح تمثلان فرصة في تغطية الأحمال غير الأساسية والحمل الذروي. ولذلك يدعو الاتفاق الأخير في كوب 28 إلى مضاعفة قدرات الطاقة المتجددة ثلاث مرات ومضاعفة معدلات كفاءة الطاقة بحلول 2030. ورغم أن الطاقة النووية تملك معامل حمل قوي وتعمل في تغذية الأحمال الأساسية إلا أنها تحمل معها تشريعات قانونية وقيود مرهقة لا تملكها "أو لا تستطيع عليها" إلا دول قليلة في العالم لما تتطلبه من إجراءات سلامة وتدابير أمنية وإدارة للنفايات النووية وكيفية التخلص منها. وبوجود هذه التحديات الاقتصادية والفنية والقانونية، يظل الوقود الأحقوري ملاذا آمنا لبعض الدول لنمو اقتصادها القومي. ومع ذلك، شرعت دول متعددة "خصوصا المنتجة للبترول" وكذلك دول نامية في التخطيط إلى بناء مشروعات في إزالة الكربون عن طريق احتجازه وتخزينه إضافة إلى إنتاج الهيدروجين الأزرق والأخضر. ودعونا لا ننسى أن الوقود الأحفوري مثل الفحم "وهو الأعلى تلوثا" سيـلجأ إليه ويعتمد عليه في الاضطرابات والأزمات الجيوسياسية. لقد استعانت ألمانيا بالفحم ضد نقص الغاز الطبيعي جراء الأزمة الروسية - الأوكرانية، وفي الوقت ذاته قضت على آخر معاقل الطاقة النووية لديها، بينما أصبح الغاز المسال سلعة نادرة تبحث عنها أغلب دول الاتحاد الأوروبي مثل فرنسا منذ الأزمة الروسية - الأوكرانية. إذا علمنا أن اتفاق باريس في 2015، الذي يسعى إلى الحد من ظاهرة الاحتباس الحراري إلى ما دون درجتين مئويتين فوق المستويات التي كانت عليها قبل الثورة الصناعية والضغط نحو 1.5 درجة مئوية، إذن هناك مؤتمرات واتفاقيات سابقة للمناخ قد ضرب بها عرض الحائط من أجل الحفاظ على مستقبل شعوبهم واقتصادهم. وفي المقابل نجد أن مبادرات التشجير قد لقيت جانبا ضعيفا من النقاش وهو أحد أسباب الانبعاثات الغازية. فلماذا لم تتم مناقشة زراعة الأشجار بإسهاب وعدم قطعها في دول أوروبية بعينها في مؤتمر الأمم المتحدة للمناخ؟ ولماذا لا يتم تبني مبادرة "السعودية الخضراء" لتكون مبادرة عالمية؟
يحتاج العالم بلا شك إلى استثمارات ضخمة في جميع مصادر الطاقة والتقنيات الحديثة المستجدة إلى جانب فهم شامل لاحتياجات ومتطلبات الطاقة لجميع الشعوب إذا أردنا الوصول إلى المجتمع الأخضر ومكافحة التغير المناخي ورخاء الشعوب ونمو الاقتصاد، وتوجد تحديات ضخمة أمام أمن الطاقة العالمي وتوصيات كوب 28 تتمثل في تمويل المشروعات وعدم اليقين والأزمات الجيوسياسية.
أخيرا، إن الاستنتاجات والتوصيات التي توصل إليها مؤتمر كوب 28 لا تدعو إلى القلق بقدر ما تبعث على الدهشة والغرابة لأننا سنرى كيف يستعان بالوقود الأحفوري من قبل دعاة التخلص منه.