30 ضررا حقيقيا مصدرها وسائل التواصل الاجتماعي .. هل ندرك ذلك ؟
يرصد الزميل الكاتب أحمد العرفج في مقال له، مجموعة من الظواهر والسلبيات، المرتبطة بالاستخدام الخاطئ لمواقع التواصل الاجتماعي، التي بحسب رأيه، لها تأثير كبير في تفكير الإنسان ونمط حياته، بل تصل إلى حد الضرر بصحته العقلية والذهنية.
ويؤيد العرفج وصف بعض المفكرين الغربيين مواقع التواصل الاجتماعي بـ"سرطان العقل"، لتأثيرها الكبير فيه، إضافة إلى دورها السلبي في إيجاد حياة افتراضية للإنسان تجعله ينعزل عن محيطه.
الكل يعرف أن مواقع التواصل مفيدة، بل مفيدة جدا، لذلك لن أعدد الفوائد والمنافع التي نجنيها من هذه المواقع، لكني سأركز على الأضرار والمساوئ التي أصابتنا بسبب استخدامها، معتبرا أن السوشيال ميديا مثل الأدوية التي لها أضرار جانبية.
لقد مكثت أعواما وأنا أرصد وأقرأ وأتلمس الجوانب الضارة التي تتلبسنا بسبب الاستخدام الخاطئ لمواقع التواصل، وإليكم بعض هذه الأضرار أكتبها هنا بشكل مختصر لكي تدركوها، ونحن نعرف أن الإدراك هو بداية التغيير.
1- تدريب الذهن على ما يسمى بالتشتت الرقمي هو مرض جديد جاء مع ثورة مواقع التواصل، وهذا التشتت يغمر عقلك بالتفاهة، ومع مرور الوقت تصبح هي المسيطرة عليك، وقد أصبحت مواقع التواصل الإجتماعي تتسابق على خطف انتباهاتنا من كل جهة، حتى أن العالم الأمريكي "هربرت سيمون" صاغ مصطلح (Attention Economy- اقتصاد شد الانتباه)، مؤكدا فيه أن المواقع كلها تتسابق للاستيلاء على انتباهنا.
2- قلة التركيز، فالإنسان يقفز كالقرد في الدقيقة الواحدة إلى عشرات الموضوعات، ومن يتابع الكتب الغربية يجد أن الغربيين أدركوا هذا فبدأوا يصدرون الكتب التي تعيد إلى الإنسان تركيزه الذي سرق منه، ولعل أهم كتاب بهذا الصدد هو كتاب "عمل عميق" للكاتب "كال نيوبورت"، ومن جانب آخر فيما يخص التركيز فهناك قانون يقول: "ما تركز عليه يزداد".
وفي الذكاء الاصطناعي إذا ركزت على موضوع يبدأ الذكاء بإعطائك مزيد منه، على نظرية من "دقنه فتله"، وهنا لا يظهر الذكاء الاصطناعي لصاحب الحساب إلا الأشياء التي يركز عليها، فيزيده من المشكلات، وهنا يدخل صاحب الحساب في دورة اكتئاب لها أول ولا آخر لها من جراء كثرة المشكلات التي يطلع عليها.
3- تدمير فضيلة الصبر والجلد وطول البال،إذ أصبح الإنسان بعد أن كان يستمع لأم كلثوم ساعة ونصف، لا يستطيع الآن أن يتابع مقطعا لمدة دقيقة أو دقيقتين، كما أنه لا يستطيع القراءة لمدة عشر دقائق بعد أن كان يقرأ بالساعات دون ملل أو كلل.
4- نشر الذبذبات السلبية في كل الأنحاء، من خلال التركيز على الأخبار المزعجة والمؤذية التي تصل رغم أنف إلى جوالك، فلقد كنا في السابق نقول: "الباب اللي يجيك منه الريح سده واستريح" أما الآن فإن أبوابنا مخلوعة بأمر من مواقع التواصل، وترويج ونشر التجارب الفاشلة، وجعل الشاذ هو الأصل، لذلك نجد أن أغلب المتشائمين يتحدثون عن لذة الطلاق، وفشل المؤسسة الزوجية، في حين أننا لا نجد كثرا يتحدثون عن أهمية الزواج ودوره في بناء الإنسان.
5- الاستهتار بالعلم والسخرية من العلماء، لقد كانت مسرحية مدرسة المشاغبين أول محاولة ساخرة تتناول بشكل مضحك المعلم والكتب والمناهج، وكانت في حينها مسرحية وحيدة تقبلها الناس بنوع من المرارة، أما الآن فإن السخرية لا تتوقف على أهل العلم والمعرفة.
6- التساهل في طرح الآراء والكلام والتنظير دون تمحيص ودون اتكاء على تجربة عميقة، وهذا واضح على بعض البسطاء الذين يعانون فقر المعرفة، فإذا تعلموا شيئا جديدا أصابتهم الدهشة وأخذوا يطرحونه بلهفة، وما علموا أنهم لو زادوا في البحث لوجدوا شيئا كثيرا.
7- إضاعة الوقت؛ وهذا الضرر لم أذكره في البداية، لأن أغلب الناس كانت تضيع أوقاتهم سدى من قبل أن تأتي مواقع التواصل.. الأمر الجديد هنا أن هذه المواقع سرقتنا من أنفسنا و من أسرنا.. ومن المصادفات الجميلة أنني أقرأ أثناء كتابة هذا المقال كتاب "فن الوقت المخصص للشاشة" للكاتبة آنيا كامينتز، وهي تعالج كيفية التوازن بين الإعلام الرقمي و الحياة الواقعية.
8- التلهف على كثرة المتابعين وزيادة المشاهدات - من أجل كسب المال - حتى لو كان على حساب الأمانة والصدق وسمعة الآخرين، لقد أصبح البعض مثل الشيطان همه تكثير أتباعه.
9- جعلتنا متاحين دائما، لذلك فقدنا خصوصيتنا وحرمنا أنفسنا من لذة الغياب ومتعة الاختلاء بالنفس من أجل الإنجاز.
10- قلصت الإبداعات الفرعية، فمثلا: كان في كل مدينة وكل حارة إبداع ولهجات وفنون، الآن الكل يتبع الترند الذي يصنعه في الغالب السطحيون.
11- سهولة إطلاق الأحكام والكلمات، فمثلا تجد أن البعض يفتخر بأنه يعاني الاكتئاب، وسهولة إطلاق الكلمات الكبيرة على الحالات الصغيرة مثل: الأمراض النفسية.. كارثة.. مصيبة.. تعميم الجنون والخيال.. إلخ
12- سهولة الاستبدال وترك الأشياء دون محاولة لإصلاحها أو حلها، لذلك نسمع كثيرا عبارات مثل: "ابتعد عن السلبيين - اللي ما يمشي على كيفك بيعه - عملك إذا لم يعجبك اتركه" إن هذه الجمل لا يقولها إلا أصحاب الرأي المتطرف الذين لا يؤمنون بالحلول، بل يؤمنون بنظرية "طخه أو اكسر مخه" إنهم يذكرونني بصديقي الإنجليزي الذي قلت له: سيارتك متسخة، فقال: حسناً سأبيعها، فقال له أهله سيارتك ليست بحاجة إلى البيع بل في حاجة للتنظيف!.
13- أصبحت وسائل التواصل الاجتماعي تغذي أصحاب التفكك السريع، الذين إذا جاءتهم أي تحديات في الحياة هربوا منها إلى أخرى، وأكبر شاهد على هذا الأمر هو أن أغلب النساء إذا واجهتها مشكلة بحثت مباشرة عن أول الحلول وهو "الطلاق" مع أنه آخر الحلول، ومثل هذه النوعية من البشر تذكرني بالآلات التي تمتلك رداءة في التصنيع، لأنها تتفكك وتتكسر من أول صدمة.
14- قبل مواقع التواصل كنا لا نصل إلى الحقائق والمعلومات، لذلك لا نستطيع أن نحكم على الأمور، أما الآن فقد أمطرت علينا وسائل التواصل بالمعلومات من كل جهة حتى ضاعت الحقيقة وأصبحنا لا نعرف ماذا نأخذ وماذا نترك، لدرجة أنه تعددت الحقائق والمعلومات بعدد المواقع والمنصات.
15- من أكبر الأضرار التي ألحقتها بنا مواقع التواصل الاجتماعي، أنها حرقت المراحل في النمو لدى الناس، لأن الإنسان الطبيعي يتدرج في المعرفة ويتعلم ويستعد ويتدرب، ثم يظهر للناس في وسائل الإعلام، أما في عصر وسائل التواصل فكثيرا من البشر يحبون العاجلة، ويظهر قبل أن يستعد، والإنسان إذا ظهر على المنصات العامة أصبح ملكا للرأي العام، ولقد انتبه سيدنا عمر بن الخطاب إلى فكرة حرق المراحل فقال: "تفقهوا قبل أن تسودوا" والمقصد هنا أن يتعلم الإنسان ويتدرب ويتفقه قبل أن يظهر للناس للبحث عن مكانه في نفوسهم.
16- أشعلت مواقع التواصل خاصية البحث عن الجديد، فقط من أجل البحث عن جديد اليوم دون التفكير في تطبيق ما تعلمته بالأمس.
17- الخوف من فوات الأشياء ( Fear Of Missing out )
وهذا السبب هو الذي يجعل الإنسان يلتقط جواله كل 40 دقيقة؛ وهذا السبب أيضا يجعله يلتقطه في أول لحظة استيقاظه قبل أن يغسل وجهه حتى يتأكد فقط من أنه لم يفته شيئ، وأصبح يظهر كأنه مسؤول عن مسار الكرة الأرضية.
18- جعلتنا مواقع التواصل الاجتماعي نزهد بما نملك ونحتقر ما لدينا، إذا رأينا النعمة التي يتمتع بها الآخرون، والحفرة التي نقع فيها هنا، هي أننا نقارن أحسن شيء نراه عند الآخرين بأسوء شيء عندنا، ويغيب عن أذهاننا أن الذي يظهر النعمة لديه جوانب مظلمة في حياته لا يظهرها لنا، وكما يقول المثل الفرنسي: "كلنا كالقمر له جانب مظلم".
19- أطلق بعض المفكرين الغربيين على وسائل التواصل "سرطان العقل"، وهذا التشبيه أرى أنه هو الأقرب للصواب، لأن هذه المواقع زرعت في عقل كل واحد منا قردا صغيرا، وهذا القرد لابد أن نعطيه ونغذيه موزة واحدة كل ساعة على الأقل، ما يؤدي إلى إدمان النظر في مواقع التواصل الاجتماعي ويجعل عقل الإنسان مثل حراج الخردة فيه آلاف القطع، لكن ليس فيها قطعة صالحة للاستخدام تستطيع أن تبني عليها معرفة متكاملة.
20- من مساوئ السوشيال ميديا أنها تجعلك تعيش في العالم الافتراضي وتنسى الواقع، فتتصور أن ما يحدث مثلا في إكس هو الواقع، بينما هو شكل من أشكال الواقع.
21- إن مواقع التواصل الاجتماعي جعلتنا منعزلين وحرمتنا من أجمل مزايا العزلة وهي الاختلاء بالنفس، فأنت تنعزل عن الناس، لكنك لا تختلي بنفسك، بل تختلي بجوالك وتتابع الآخرين؛ لقد أخذنا أسوأ ما في العزلة وحرمنا أجمل ما فيها فأنت فعليا انعزلت، لكنك لم تختل بنفسك.
22- من أضرار مواقع التواصل أيضا أنها تحاول أن تطبع حياة الإنسان مع الإلحاد والشذوذ وتعاطي المخدرات وهدم الأسرة وتعزيز الفردية، وكل هذه الخمس كتبت عنها بحوث ودراسات لا تتسع مساحة المقال لرصدها.
23- أنها أفسدت متعة المجالس، حيث أصبح الناس يجتمعون في مكان واحد، لكن كل واحد منهم في عالمه الخاص من خلال جواله، ولقد صدق الشاعر عوض خيران الرشيدي حين قال:
”ما عاد باقي فالمجالس تعاليل
راحت سنين الفرفشة والوناسة
إن قلت هاتوا سالفة يارجاجيل
كلٍ على الجوال دنق براسه ..!”
24- من أكبر الأضرار التي تقتحمنا حين نتصفح مواقع التواصل أنها تخفض الشغف وتقلل الحماس، وحتى نبسط الفكرة دعونا نضع هذا المثال:
خريج طب أو خريج هندسة يحصل على وظيفة بعد أن تعب وسهر من أجل النجاح والتفوق ثم يحصل على وظيفة ب١٠ آلاف ريال شهريا، في حين أنه يشاهد من يسميهم هو التافهين والتافهات أو مشاهير الفلس يحصلون على عشرات الألوف بمجرد لقطة إعلانية لا تتجاوز ٦٠ ثانية .. بالله عليكم كيف تتصورون نسبة الإحباط والمعنويات المنخفضة التي تصيب هذا الخريج إذا قارن نفسه بمن يسميهم مشاهير الفلس.
25- شيوع الكذب والأخبار المزيفة والتحديات التي أغرقت المجتمعات الرقمية وأبعدت الإنسان عن واقعه المادي وزجت به داخل عالم رقمي مسيج بالأوهام والأمراض التي تصور استعمالنا اليومي لمنصات التواصل الاجتماعي، وقد كتب عنها نيكولاس كار في كتابه بعنوان “السطحيون.. ما تفعله شبكة الإنترنت بأدمغتنا”.
26- تصدير الأفعال الشاذة والنادرة وجعلها أموراً طبيعية، فمثلا:
لو أن إنسانا كسولا، سيجد في مواقع التواصل دائما من يؤيد كسله ويشعره بأنه على الطريق المستقيم، لذلك فإن مثل هذا الكسول لن يفكر بالتغيير طالما أنه يجد من يزين له سوء عمله.
27- من أضرار مواقع التواصل، أنها تعيد تشكيل العقل، لأنها تلعب في جدول الأولويات وترتيب المهمات.
بحيث كان الإنسان في السابق يسعى لتطوير مهاراته وصقل قدراته، أما الآن فإن طائفة كبيرة من الناس تنشغل عن تطوير نفسها وصقل مواهبها بمتابعة وملاحقة القضايا التي تطرح في مواقع التواصل، مع الوقت ينسى الإنسان نفسه، وتمر أوقاته دون أن يلتفت إلى ذاته.
28- كثير من الناس رقيق العواطف هش المزاج، لذلك من الممكن أن تفسد وسائل التواصل مزاجه بإحدى طريقتين:
الأولى:
إما أن يتعكر مزاجه، لأن الناس تجاهلوا ما ينشره من محتوى، بمعنى أنه لم يحصل على لايكات أو أن مقطعه "لم يضرب"، وهنا يتعكر مزاجه مثل التاجر الذي كسدت بضاعته.
الثانية:
أن يقابل محتواه بالهجوم والنقد والشتم، فيتعكر مزاجه وهذا واضح في النساء أكثر منه في الرجال، وقد أخبرتني سيدة فاضلة أنها لا تقرأ التعليقات التي تصلها قائلة:
"إن هذه التعليقات يا أحمد؛ تعكر مزاجي وأحياناً تجعلني أبكي".
29- من مساوئ السوشيال ميديا أنها تحشرك في مربع معين تبقى داخله، خذ مثلا:
قد يكتب أحدهم عنك ويمضي، لكنك تقرأ ما كتب وتفكر، إنه كتب وانتهت الحكاية، وأنت قرأت وبدأت معك الحكاية، لتصبح حكايتك هي ما كتبه ذلك العابر، إنها تشغل تفكيرك وتحتل أحاديثك بين جلاسك، وتبدأ تردد ما قاله عنك في كل مجلس، وبذلك يحصرك في ذلك المربع.
30- من أخطر أضرار السوشيال ميديا، تلك الأضرار الجسدية مثل: (تعب العيون - آلام الرقبة- وجع الأصابع.. إلخ)، وهذه لن أتحدث عنها، لأنها معروفة لدى الجميع.
حسنا ماذا بقي:
بقي القول: يا قوم؛ هذه أبرز الأضرار، إذا استطعنا أن ندركها ونتعرف عليها، فبالتأكيد سنصل إلى الحلول التي من أهمها:
أولا: الوعي بحجم المشكلة التي أمامنا، وهي أضرار السوشيال ميديا.
ثانيا: فعل العكس؛ بمعنى آخر: إذا نظرت إلى رجل مرفه في وسائل التواصل فاعلم أنك تمتلك أشياء لا يمتلكها، أما إذا دعتك وسائل التواصل إلى التشتت فافعل العكس من خلال تطبيق قانون التركيز، ومن وسائل التركيز التي ذكرتها الكتب، أن تبتعد عن جوالك تماما لمدة ساعة، وتركز على ما بين يديك من عمل، وبعد ساعة تأخذ استراحة لمدة عشر دقائق تداعب بأصابعك أطراف جوالك..!