أسس للشراكات بين القطاعين العام والخاص
الشراكة اتفاق أو ترتيبات لاتفاق بين قطاعين "عام وخاص" على قيام شراكة طويلة بينهما. والمسمى ترجمة للتعبير الأعجمي public–private partnership PPP. ولذا فإن فهم معنى هذه الشراكة مرتبط بفهم معنى الكلمة الأعجمية. وليس العكس. وتكون الشراكة إما في الملكية والتشغيل وإما في تشغيل منشآت طبيعة عملها توفير سلع ليست عامة بالتعريف الاصطلاحي. والسلعة تكون عامة إذا اتصفت بكون الاستفادة جماعية. توفير الطرق مثال.
لكن بصفة عامة لا يوجد اتفاق عالمي على التعريف. على سبيل المثال، منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية تعرف الشراكة بأنها اتفاقات تعاقدية طويلة المدى بين حكومة وشريك خاص يقدم فيها هذا الأخير ويمول خدمات عامة من رأسماله، ويشارك في تحمل الأخطار.
وهناك دراسات توضح أن تعريف الشراكة تحكمه نوعية التعاقد. مثلا هل العلاقة بين المتعاقدين العام والخاص قائمة على حق امتياز، أو قائمة على إعطاء توفير خدمة كانت عامة لقطاع خاص ربحي، أو غير هادف إلى الربح.
مسمى الشراكات ممكن أن يتناول أنواعا كثيرة من العقود طويلة المدى مع وجود خلافات في ترتيبات التمويل ومتطلبات الشفافية. ورغم ذلك، فقد ساعدت العولمة على التوسع في الشراكات.
الشراكة غير التخصيص أو "الخصخصة" كما يسميها البعض. ولكن هناك ارتباطا قويا بين ما تعنيه الشراكات وما تعنيه عملية التخصيص، ولعلي أكتب عن ذلك مستقبلا. ومسمى التخصيص ترجمة للكلمة privatization. والتي تحدث عبر أسلوبين، الأول: هو بيع أصول مملوكة للدولة إلى القطاع الخاص. الثاني: هو أن تتوقف الدولة عن تقديم خدمات كانت تضطلع بها في السابق مباشرة وتعتمد على القطاع الخاص في تقديم تلك الخدمات. أما أن تطبق جهة من جهات القطاع العام منهجا تجاريا في تقديم خدمة، مع بقائها حكومية، فإن هذا ليس تخصيصا.
الشراكة بين القطاعين تشمل عادة تمويلا خاصا للمشاريع والخدمات الحكومية مباشرة، ثم أخذ الأرباح بموجب ما جاء في عقد الشراكة. والشراكات بين القطاعين الخاص والعام مطبقة في دول كثيرة. وربما أوضح مثال التطبيق في مشاريع بنية تحتية، كبناء وإعداد وتشغيل وصيانة منشآت تعليمية ومستشفيات ومشاريع نقل وأنظمة مياه وصرف.
وحسب المعنى المعاصر، فإن الشراكات في الدول بين القطاعين العام والخاص ظهرت بوضوح في العقود الأخيرة. رأت السلطات في تلك الدول أن الشراكات وسيلة مرغوبة في تمويل أصول جديدة أو تحقيق مصالح للناس خارج إطار الميزانية العامة. لكن طبعا هناك من لا تعجبه الشراكات لأسباب. منها أنهم يرون أن الرسوم والضرائب زادت بقيام الشراكات. سبب آخر في احتمال ارتفاع التكلفة ومشكلات المسؤولية.
من أسباب تشجيع الشراكات أن عوائد القطاع العام من الاستثمار عادة أو في الأغلب هي أدنى من عوائد الممول الخاص.
من فوائد الشراكات أنها تمكن القطاع العام من الاستفادة من موارد وخبرات القطاع الخاص، من خلال ترتيبات تقاسم المخاطر. كما يفترض أن تساعد على خفض التكلفة في إنتاج الوحدة الواحدة، وأن تحسن من الكفاءة والابتكار، وجلب الخبرات العالمية، وتقليل الضغوط على المالية العامة. لكن قد تصمم أو تنفذ بطريقة لا تحقق هذه الفوائد كما ينبغي.
هناك أسس حيوية مهمة لقيام الشراكة أو استمرارها. أذكر منها ما يلي: وضع السياسات وإطارها المؤسسي التنظيمي - دراسة المشاريع المرغوب طرحها للشراكة - القدرات في إدارة العقود والمراجعة وتوزيع المخاطر والمتابعة والتنفيذ - القوانين الحاكمة للشراكات. وهناك عوامل كثيرة أخرى.
مدى جودة الأسس السابقة مؤثر في جودة ونجاح الشراكات. وبعض هذه العوامل صعب معرفته جيدا مسبقا. ولبعض الجهات الدولية دراسات جيدة حول هذه النقاط والقضايا. وتنبغي الاستفادة منها بأعلى فائدة قدر الإمكان.
من المتوقع جدا وجود نقاط ضعيف في التصميم والتنفيذ. لكن هذا ينبغي ألا يفهم منه إنكار فوائد المشاركات، فالكمال لله وحده. والمطلوب تقليل الضعف قدر الإمكان. وقد طورت عدة دول برامج جيدة في الشراكات، أذكر منها جنوب إفريقيا، والبرازيل، وأستراليا، وكوريا الجنوبية.
من وسائل تقليل الضعف والمشكلات المحتملة محاولة اتباع نهج شامل في قيام الإصلاحات التنظيمية، وفي سن القوانين وبناء الوحدات التشاركية. ومن الوسائل الاستفادة من خبرات الآخرين، مع الأخذ في الحسبان اختلاف الظروف والثقافات.
من المهم ألا ينظر للشراكات على أنها تقليل من واجبات القطاع العام، وإنما محاولة لتحسين أداء هذه الواجبات. وهذا يتطلب أن أن توضع بنية قانونية للشراكات تأخذ في الحسبان الترتيبات المؤسسية. ومن المهم أن يكون لوزارات المالية دور قوي وفق أسس عالية الجودة. هناك تحديات في الشراكة. وهذا يتطلب زيادة الاهتمام بجودة تنفيذ مبادرات الشراكة بين القطاعين واختيار أنسب الفرص للشراكة، تحت أطر قانونية ومالية وفنية تتوافق مع سياسات وتوجهات المالية العامة.
في بلادنا، تطلبت ظروف بعينها أن يؤسس ويمارس القطاع العام نشاطا تجاريا في أصله للقطاع الخاص. سابك والاتصالات والخطوط الجوية والحديدية أمثلة لهذا النوع في بلادنا. طبعا الظروف في تغير. فالمجتمع والاقتصاد والقطاع الخاص كلها تغيرت تعلما وتطورا ونضجا مع مرور الأعوام. وتبعا هناك جهود حكومية للشراكات دعما وتطويرا، وهي موضع اهتمام قوي من الرؤية. هناك معلومات حول مفهوم الشراكات مع القطاع الخاص، والهدف منها، والأطراف المتأثرة بها والأنظمة والتشريعات التي تعزز هذه الشراكات.