فرصة تقنية للمبدعين
في أواخر الثمانينيات سجلت مواد الفصل الدراسي في الجامعة من أول يوم، لم أعد بحاجة إلى ما كان يسمى فترة "الحذف والإضافة" للمواد التي تستمر أياما عدة، قضيت معظم تلك الأيام "أكد على سيارتي الصغيرة"، أسير في شوارع الرياض لالتقط الركاب، ومعي يدور الكثيرون وفي مقدمتهم أصحاب سيارات النقل الخفيف (الوانيت).
كانت مكافأة الجامعة تتأخر أحيانا، وكنا وبعض أبناء جيلي نخجل أن نطلب من آبائنا في مدنهم وقراهم الصغيرة التي أتينا منها إرسال المال، وكان في تدبير المال لمعيشتنا جزء من الاعتداد بالنفس، ولطالما كان "الكداد" يمثل أحد ملامح "المرجلة" لأنه يأكل من عرق جبينه.
كثير من الرجال من جميع الأعمار يعملون بهذه الطريقة، ربما الذي تغير أنهم أصبحوا يلحون على الناس أكثر، خاصة من يعملون في استقبال الناس في المطارات ويضايقونهم بالسؤال، ويطالب الناس بإيقافهم، لأنه "مظهر غير حضاري"، وهو كذلك بالفعل.
أيضا يقول الناس إن التعامل معهم فيه مخاطرة، وهذا صحيح، لكنهم أيضا يخاطرون لأنهم وبالمنطق نفسه لا يعرفون طبيعة ومشكلات الراكب الذي ينقلونه.
هناك أيضا أهمية الحفاظ على حقوق شركات النقل التي استثمرت في النقل من المطارات، التزمت بالمعايير الجديدة التي وضعت لها بصرامة وأصبحت جميعها تعمل بالعداد، ومزودة بأجهزة نقاط البيع للدفع الإلكتروني، والتزمت بنظافة المركبة وهندام السائق.
عندما تسأل "الكداد" لماذا لا تسجل في تطبيقات النقل والتوصيل، يقول لك: إن التطبيقات تقاسمه رزقه، وتستقطع نسبة عالية، وبعضها يتأخر في الدفع، وأيضا قد لا ترتقي مركبته إلى مواصفاتها، وهذه حجج تبرر له عمله، لكنها لا تبرر كيفية ممارسته هذا العمل ومضايقته للقادمين.
العمل على السيارات الخاصة دون الارتباط بمؤسسة أو تطبيق موجود في كثير من الدول والمدن السياحية، ربما لا يقفون في ممرات المطار، لكنهم موجودون في الخارج، وهذا مشاهد ومجرب من كثيرين.
يبدو لي أنها فرصة تقنية للمبدعين والمبدعات السعوديين للخروج بتصور يحقق أهداف هؤلاء "الكدادين" سواء كانوا محتاجين أو كانوا مجرد طموحين، تصور يقلل الاستقطاع عليهم، ويراعي كونهم غير متفرغين، ويقلل أو يساعد على منع وقوفهم في استقبال الناس.
على المستوى التقني حققنا نقلات في أشياء كثيرة، وأحسب أنه يمكن إيجاد حل أو تطبيق يساعد في هذه الحالة، التي يجب أن نعترف أن فيها صراعا بين العقل والعاطفة، بين المصلحة العامة، ومصلحة محتاجين أو طموحين هم في النهاية رجال يبحثون عن الرزق الحلال.