Author

الشكوك تلف النمو العالمي في 2024

|
كاتب اقتصادي [email protected]

"هناك أخطار جمة تهدد نمو الاقتصاد العالمي"
جانيت يلين، وزيرة الخزانة الأمريكية
صورة الاقتصاد العالمي ليست براقة بما يكفي لنشر الارتياح في العام المقبل. فهذا الاقتصاد الذي حقق بعض القفزات الجيدة في الأشهر الماضية، لا يزال يمر بحالة من عدم اليقين، خصوصا على صعيد النمو الذي يمثل المحور الأول له. كما أن هناك شكوكا بدأت تظهر على الساحة، بشأن مسارات النمو في بعض الدول التي تعد المحرك الأول والأعلى للنمو عموما، بما في ذلك بالطبع الصين. رغم بعض المؤشرات الإيجابية الواردة من هذا البلد، إلا أن الرئيس الصيني شي جينج بينج، أصاب الآمال بنمو مقبول ببعض الخيبة، حين أكد قبل أيام من نهاية العام الجاري أن الانتعاش الاقتصادي في البلاد لا يزال في مرحلة حرجة. ومثل هذه التصريحات العلنية، تضع علامات استفهام متعددة حول ما إذا كان ثاني أكبر اقتصاد في العالم، يمكنه التعافي نهائيا بحلول نهاية 2024.
لا شك أن الاقتصاد العالمي أظهر في الفترة الأخيرة بعض القوة، وذلك عبر تمكن أغلب الدول المؤثرة في المشهد العالمي من خفض التضخم، وإن ظلت نسبته فوق الحد الأقصى الرسمي وهو 2 في المائة. لكن، كما هو معروف نالت المواجهة من زيادة أسعار المستهلكين من مسار النمو الذي لم يكن أصلا كبيرا قبلها، ولا سيما في ظل تفاقم سلسلة من المشكلات العالمية، بما في ذلك ما تركته جائحة كورونا على الساحة، وكذلك الحرب المستمرة في أوكرانيا، وهشاشة سلاسل التوريد، إضافة طبعا إلى الآثار السلبية الآتية من جهة الخلافات الجيوسياسية المتفاقمة. كلها عوامل تضع المشهد الاقتصادي العالمي في العام المقبل في دائرة الشك، وتراخي اليقين إن جاز التعبير. والحق، أن الاقتصاد العالمي تمتع في العام الحالي بالصمود، أكثر مما تمتع بالقوة. وهذا ما يرفع من حدة الأسئلة ليس فقط بشأنه في 2024، بل في الأعوام القليلة المقبلة.
كما كان في العقود السابقة، تصدرت الصين المشهد العام للنمو، ومعها عدد من الدول الأخرى بما في ذلك الهند، وعدد من دول آسيا. ولا تزال هذه الاقتصادات تتمتع بقيادة النمو حتى في العام المقبل. فمعدلات النمو في الاقتصادات المتقدمة ظلت منخفضة على مدى عقود، بعد أن مرت طبعا بفترة طويلة من النمو المرتفع. من هنا، يهتم أي مراقب بما يجري على الساحة الاقتصادية الصينية، ويهتم أكثر في هذه الفترة التي تتطلب حدوث نمو يوفر قوة دفع للاقتصاد العالمي في مرحلة التعافي التي يمر بها. فلا يزال النمو في هذا البلد تحت مستوى الحد المستهدف من قبل الحكومة عند 5 في المائة. ورغم ذلك تعد هذه النسبة لا بأس بها في ظل المشهد الدولي العام.
لكن المصاعب في الصين ليست بسيطة. فقد خفضت وكالة "موديز" تصنيف الصين الائتماني من مستقر إلى سلبي، لوجود ما أسمته "أخطار تراجع واسعة النطاق على القوة المالية والاقتصادية والمؤسساتية". مع ضرورة الإشارة إلى أن الجهات الصينية الرسمية عبرت عن خيبة أملها من الاستنتاج الذي توصلت إليه الوكالة المشار إليها. وبعيدا عن ذلك، تظل الصين محركا لا بد من الاستناد إليه في السعي للوصول بالنمو العالمي إلى مستويات تكفل التعافي والانطلاق مجددا نحو آفاق ما بعد الأزمات التي مر ويمر بها، حتى في ظل الضغوط على التعافي للاقتصاد الصيني. وهذه الضغوط ليس بالمناسبة حكرا على ثاني أكبر اقتصاد في العالم، بل تشمل كل الاقتصادات المؤثرة في الساحة الدولية عموما.
في ظل هذه المعطيات، ترى منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية OECD التي تتخذ باريس مقرا لها، أن النمو العالمي سيتباطأ في العام المقبل إلى 2.7 من 3 في المائة في العام الحالي، ولا سيما في ظل استمرار سياسات التشديد النقدي حول العالم، لضمان السيطرة النهائية على الموجة التضخمية. وهذه النسبة من النمو، تبقى الأقل على الإطلاق منذ اندلاع الأزمة الاقتصادية العالمية في 2008، لو استثنينا الفترة التي مر بها خلال جائحة كورونا في 2020. ما يعني تراجع الآمال بتعاف مؤثر في 2024، واستمرار تراجعها حتى منتصف العقد الحالي. ولا يبتعد صندوق النقد الدولي في توقعاته للنمو للعام المقبل عن التقديرات الأخرى عامة، حيث أشار إلى نمو لا يزيد على 2.9 في المائة.
في النهاية، تشير كل التوقعات إلى أن النمو العالمي سيتعثر في العام المقبل، بسبب الضغوط التي باتت تشكل المشهد العام، من التضخم إلى الحرب الأوكرانية، وبالطبع إلى التشديد النقدي الذي لم يضرب النمو فحسب، بل رفع من أخطار الديون الحكومية حول العالم، وزاد من المصاعب على كاهل الدول الناشئة، بل هدد بتخلف بعضها عن السداد. وإذا ما تمكن العالم من الحفاظ على نمو بحدود 2.9 في المائة، قد يكون هذا بمنزلة "انتصار" في فترة عصيبة يسيطر على المشهد العام. فحتى الحكومات تعتقد أن هبوط اقتصاداتها بصورة ناعمة، أمر جيد بدلا من ركود لا أحد يستطيع أن يحدد آفاقه إذا ما ضرب الساحات المؤثرة اقتصاديا.

إنشرها