الإشارات المختلطة
يأخذك الاقتصاد عادة لأسباب معروفة، للاهتمام بالاقتصاد الكلي كظاهرة مهمة، مثله مثل البطالة والنمو، أو نواح تخصصية مثل اقتصادات الطاقة أو الاقتصاد المالي مثل الاستثمارات. وإن كثيرا من هذه النواحي غالبا ما يواجه نقدا موضوعيا مستحقا، في جزء بسبب تبني كثير من الاقتصاديين محاولة التنبؤ بالمستقبل من ناحية، وجنوح الاقتصاد بالتماثل مع العلوم الطبيعية من ناحية أخرى. ولربما كخطوة للتقدم والعلم أو ردة فعل حول تطور نهج جديد نحو الاقتصاد السلوكي، الذي يحاول التعامل مع تصرفات البشر كما هي، ومحاولة التجريب العملي لفهم وتسخير النزعات والتعقيدات البشرية لخدمة الأهداف والعادات إيجابيا.
وفي هذا الصدد قرأت حديثا كتابا بعنوان Mixed Signals للاقتصادي يوري قنيزي، أستاذ الاقتصاد والإدارة الاستراتيجية في جامعة كاليفورنيا، سان دييجو. وتصعب مراجعة هذا الكتاب في عمود صحافي، ولذلك من الأفضل مراجعة الكتاب، حتى يمكن إعطاؤه حقه، أفضل من اختصاره في عمود. لذلك سأحاول في حل يجمع بينهما قدر الإمكان، من خلال ثلاثة أقسام.
في القسم الأول، يناقش الحوافز كفكرة والكشف عن خواصها من خلال تجارب عملية لكشف العلاقة بين المكافأة المالية ورفع الأداء، في تحد للطرح المقبول اقتصاديا وربما اجتماعيا في العلاقة الطردية المباشرة بينهما. في تجارب حول التبرع بالدم والإنتاجية وضح أن الحوافز المالية قد لا تحقق النتائج المطلوبة. يقول "إن الحوافز الاجتماعية والتحفيز النفسي الشخصي يلعبان أدوارا في عملية صنع القرار، إذا أجدنا وزن وتأطير العلاقة للتأثير في التصرفات". كذلك يحذر من ظاهرة التركيز على حالة لتفسير ظاهرة، وكذلك أهمية التواصل لكي تصب الحوافز مع التصرف المطلوب.
القسم الثاني، يناقش دور الإشارات المختلطة في الأفكار المسبقة التقليدية والأعمال الخيرة التي ربما تنتج عنها تصرفات غير مقصودة. يحاول كشف الانحيازات التي نمارسها أحيانا دون تخطيط أو قصد، لذلك أجرى بعض التجارب في محاولة للتعامل معها. يقترح أن أهمية الإشارات مع فهم العادات المجتمعية تمكننا من تصميم سياسات محددة لتعظيم التأثير. النفاذ إلى طبيعة التصرفات وتغيرها يقود إلى تفعيل إنتاجية المجتمع. فمثلا تم إجراء تجربة عملية على العلاقة بين ختان البنات الشائع عند قبيلة ماسي في كينيا والتعليم "فرصة دخل أعلى"، وفي حماية الأسود بنتائج مذهلة لدعم السياحة.
القسم الثالث يتعامل مع تصرفات المستهلك والأدوار المتعددة التي تتداخل مع صنع القرارات في الوقت نفسه. هذا الطرح مخالف عادة لما يتمثل في الطرح الاقتصادي التقليدي بأن الإنسان "عقلاني"، يقيس ويوازن بين جميع الخيارات المتوافرة قبل القرار.
واقعيا، هناك عوامل اجتماعية تقود تصرفاتنا مثل مرجعية ما لدينا من معلومات عن الأسعار الأقرب لنا في حينه، وجاذبية التعليب والقدرات والخدع التسويقية التي تحاول استغلال الفجوات الإدراكية في تصرفاتنا، التي تحاول شركات التسويق توظيفها. معرفة هذه الشركات بنزعات البشر العميقة تقود إلى العلاقة مع المسميات لتأسيس علاقة بعيدة ومستقرة في ذهن المستهلك.
إجمالا وجدت الكتاب ممتعا في كشف أنماط من التصرفات في توظيف الإشارات وكيف تؤثر في قراراتنا. تخللت الكتاب تجارب عملية واقعية تتحدى الأفكار المسبقة في أنماط العلاقة بين الحوافز التي تخص الفرد وتلك التي تخص الفرد في علاقته مع مجتمعه. يقدم منظارا جديدا يساعد على مراجعة كثير من الممارسات السيئة والطيبة لتعظيم المصلحة الشخصية والعامة والتجانس بينهما. أعتقد أنه جدير بالاهتمام في جميع مستويات القرار الاقتصادي والمجتمعي. يا ليتنا نطور نزعة تجريبية للتعامل مع بعض التصرفات، خاصة أن كثيرا من هذه التجارب غير مكلف وتنويري ومفيد اقتصاديا واجتماعيا.