متطلبات رأسمالية على بنوك الـ 100 مليار دولار «2 من 2»
السؤال إذن هو ما إذا كانت زيادة متطلبات رأس المال مناسبة اليوم؟ بوسعنا أن نستبعد على الفور أحد الأسباب المنطقية للقيام بذلك، وهو على وجه التحديد أن رأس المال يمنح مجلس إدارة البنك "أو حاملي الأسهم الذين يمثلهم مجلس الإدارة" قدرا أكبر من المشاركة في الأمر، ما يعطيهم بالتالي حافزا أعظم للحد من خوض المجازفات. كل من عمل في مجلس إدارة بنك كبير يعلم أن أعضاء مجلس الإدارة يعتمدون بشكل كامل على ما تغذيهم به الإدارة. إنه حلم بعيد المنال أن نتصور أنهم قد يقيدون فريقا تنفيذيا يتألف من رعاة بقر. وكما يظهر تقرير بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي عن انهيار بنك سيليكون فالي، لا يدرك المشرفون في بعض الأحيان المخاطر التي يخوضها البنك، أو يعجزون حتى عن إيقافه عندما يرون ذلك. علاوة على ذلك، يفشل تنظيم رأس المال عادة في الحد من ملاحقة البنوك للمخاطر النادرة التي تدر أرباحا في الأوقات الطيبة، لأن هذه الأرباح ستضيف إلى رأسمالها وتسمح لها بخوض مزيد من المخاطر، على الأقل إلى أن تأتي الأوقات العصيبة.
أخيرا، بقدر ما تمنح زيادة رأس المال إدارة البنك حيزا أكبر للحركة، فإن متطلبات رأس المال الأعلى قد تأتي مصحوبة بتكلفة تهدر هذه الميزة. فكلما أفرطت الإدارة في الحماية، ازدادت خسائر المستثمرين قبل أن يؤدي التكالب على استرداد الودائع إلى إغلاق البنك في النهاية. لنتأمل فقط حجم القيمة الإضافية التي كان فريق إدارة بنك سيليكون فالي ليدمرها -بالتواطؤ مع مجلس الإدارة والمشرفين- لو لم يقرر المودعون غير المؤمن عليهم إنهاء عهده المشين بالمطالبة بأموالهم. هذا لا يعني أن المودعين غير المؤمن عليهم في بنك سيليكون فالي كانوا مجموعة يقظة من أصحاب المصلحة، بل على العكس من ذلك، لم تكن لديهم أدنى فكرة عن المخاطر التي كانت تتراكم. لكن بمجرد أن اشتموا رائحة مريبة، انتهى الحفل.
الواقع أن تكالب المودعين لسحب أموالهم من البنوك من الممكن أن يخلف أيضا تأثيرا مفيدا إذا نجحت إدارة البنك في تدبير الأمر بحكمة، انطلاقا من إدراكها العقوبة القصوى المرتبطة بالإفراط في خوض المجازفات. من هذا المنظور، يشكل هروب المودعين بأموالهم من حين إلى آخر سمة من سمات النظام، وليس علة يمكن إزالتها من خلال زيادة متطلبات رأس المال على البنوك. فمن خلال التأمين على كل الودائع غير المؤمن عليها فعليا بعد الأزمة المصغرة التي اندلعت في مارس، نجح بنك الاحتياطي الفيدرالي ووزارة الخزانة الأمريكية في منع انتشار الذعر المصرفي على نطاق أوسع. لكنهما أبقيا أيضا على عدد كبير من مديري البنوك غير الأكفاء في مناصبهم من خلال تحويل المودعين غير المؤمن عليهم إلى متفرجين سلبيين، بل إلى رأسمال في واقع الأمر.
رغم أننا لا نريد للبنوك أن تكون رؤوس أموالها هزيلة إلى الحد الذي يجعل الخسائر والحوادث الصغيرة تعجل بحدوث نوبات ذعر وخسائر أضخم كثيرا، يتعين علينا أن ندرك أيضا أن زيادة رأس المال، بعد نقطة معينة، من الممكن أن تعمل على تسهيل سوء الإدارة. في نهاية المطاف، قد تؤدي المتطلبات الأعلى إلى زيادة تكلفة رأس المال، وقد يفضي هذا إلى إعاقة قدرة البنوك على تمويل النمو، كما يحذر ديمون. وإذا انتقل النشاط إلى مؤسسات أخرى تواجه متطلبات رأسمالية أقل، فلن يصبح النظام أكثر أمانا.
هذا الخطر ليس مجرد افتراض، إذ تتمثل مشكلة كبرى تواجه الهيئات التنظيمية في الولايات المتحدة اليوم في أن البنوك الأصغر حجما التقطت القروض العقارية التجارية التي أصبحت مهتزة الآن، التي تجنبتها البنوك الأكبر حجما، نظرا لمتطلبات رأس المال الأعلى التي فرضت على المجموعة الأخيرة. ويتبقى لنا أن نرى كيف ستدير هذه المؤسسات الأصغر حجما خسائر القروض المقبلة.
يعتمد التنظيم المعقول على معرفة متى تفقد أداة ما فاعليتها وتصبح هدامة. فمزيد من الشيء ليس دائما أفضل.
خاص بـ "الاقتصادية" بروجيكت سنديكيت، 2023.