جهات الإصدار السعودية تجمع 35.8 مليار دولار في 9 أشهر .. حراك تمويلي لتسريع المشاريع الكبرى
أسهم ارتفاع درجات التصنيف الائتماني في تخفيف أثر ارتفاع الفائدة على جهات الإصدار السعودية، وذلك بعد قيام الأخيرة برفع وتيرة أنشطتها بأسواق الدخل الثابت العالمية لهذا العام.
وجمعت جهات الإصدار السعودية 35.8 مليار دولار عبر السندات والصكوك منذ مطلع العام الجاري إلى أوائل أكتوبر.
وجاء هذا الحراك التمويلي الخارجي مع تسريع تنفيذ المشاريع الكبرى والرغبة في عدم مزاحمة القطاع الخاص محليا على السيولة المصرفية.
وارتفعت نسبة الديون الخليجية والمصرية القائمة بنهاية الربع الثالث 5.1 في المائة على أساس سنوي لتصل إلى 588 مليار دولار، مقارنة بالفترة نفسها من 2022 عندما كانت تقف عند 559 مليار دولار، وذلك بحسب دراسة بحثية بنكية.
ويقصد بأدوات الدخل الثابت القائمة إصدارات السندات والصكوك، التي تم إصدارها في الأعوام الماضية ولم يحن أجل إطفائها.
وارتكزت البيانات على ما تم إصداره من أدوات دين، وذلك بغض النظر عن نوع العملة التي تم إغلاق الإصدار الأصلي بها.
وكان الداعم الأساسي لزيادة المعروض من الديون الخليجية هو الإصدارات السيادية من حكومات المنطقة التي بلغت 289 مليار دولار، أي أنها تشكل 49 في المائة من إجمالي ديون المنطقة القائمة.
وتستحوذ السعودية والإمارات مجتمعتين على 66 في المائة من الديون القائمة للمنطقة، موزعة على 194 مليار دولار بما يعادل 33 في المائة للإمارات و191 مليار دولار بما يعادل 33 في المائة للسعودية.
وذلك علاوة على نحو 83 مليار دولار بما يعادل 14 في المائة من الديون القائمة تعود لجهات الإصدار القطرية و7 في المائة بما يعادل 39 مليار دولار لمصر.
التوزيع وفقا لجهة الإصدار
وقبل 2016 كانت الشركات التابعة للحكومات متسيدة واجهة الإصدارات بالمنطقة، وذلك بسبب استفادتها من الدعم الحكومي الذي انعكس على حقيقة حصولها على تصنيف ائتماني مماثل للتصنيف الائتماني السيادي، الأمر الذي مكنها من إصدار أدوات دين بتكلفة تنافسية، مقارنة بشركات المنطقة، التي تتأثر بارتفاع تكلفة التمويل بسبب انخفاض التصنيف الائتماني.
لذلك لم يكن مستغربا أن تصل حصة الشركات الخليجية من أدوات الدين القائمة للمنطقة إلى 3 في المائة (20 مليار دولار) بنهاية الربع الثالث من 2023.
على الجانب الآخر، جاءت الشركات التابعة للحكومات في المرتبة الثانية من حيث أدوات الدين القائمة وذلك بنسبة 27 في المائة (156 مليار دولار).
وتلاها بفارق بسيط المؤسسات المالية من بنوك، بنسبة 21 في المائة من إجمالي الديون الخليجية القائمة (123 مليار دولار).
واستفادت تلك المؤسسات كذلك من النسبة الضئيلة من الملكية الحكومية بها التي انعكست على تصنيفها الائتماني.
وبذلك تواكب المؤسسات المالية الخليجية طفرة النمو الائتماني في المنطقة، ولا سيما بعد أن أصبحت أدوات الدين عاملا مهما إلى جانب الودائع لتعظيم أرباح مساهمي البنوك عبر توسيع نطاق الأنشطة التمويلية.
والعام الماضي تعرضت أسواق الدخل الثابت العالمية لصدمات عدة أتت جميعها في وقت واحد، وتمثلت النتيجة بانهيار في أسعار السندات وعمليات بيع لم تشاهد منذ أكثر من 20 عاما.
وتعامل مديرو الصناديق الدوليون مع أحداث العام الماضي عبر توفير النقد من أجل السحوبات وتجاهل الفرص الذهبية، التي توفرت لهم عبر شراء السندات المسعرة بخصم كبير.
وتمحورت نصيحة مديري الصناديق عند ظهور الأزمات في التركيز على أساسيات جهات الإصدار وعدم تجاهلها، مع أن الطلب الوقتي على السيولة قد يقود لتسييل الأصول الجيدة بسعر منخفض جدا.
أهمية مراجع التسعير
وتولي جهات الإصدار السعودية أهمية بالغة لحركة مراجع التسعير، نظرا إلى تزايد الاعتماد عليها في التسعير، فضلا عن إيجابيات جذب سيولة خارجية أجنبية لمصلحة الأنشطة التوسعية لاستثمارات تلك الشركات في الاقتصاد الوطني.
وتظهر تلك التطورات في أسواق الدين الخليجية إثر علاقة ربط العملات بالدولار الذي يقود إلى تفضيل جهات الإصدار لهذه العملة التي تحتضن أضخم وأعمق أسواق الدخل الثابتة في العالم، وكيف تؤثر الأحداث الاقتصادية في الأراضي الأمريكية، التي تنعكس على عوائد سندات الخزانة، على الجوانب التسعيرية للمصدرين الخليجيين.
وفي الوقت الذي تستعين فيه الشركات بمؤشر "متوسط عقود المبادلة" مع الإصدارات الدولارية، تقوم بعض جهات الإصدار السيادية باللجوء إلى مؤشر "عوائد سندات الخزانة" الأمريكية، وذلك وفقا لأجل الاستحقاق الذي يتم اختياره مع كل إصدار.
ويتم تسعير معظم أدوات الدين السيادية عبر الاستعانة بمؤشر قياس وهو عوائد سندات الخزانة الأمريكية، حيث تدخل عوائد تلك السندات مع المنظومة التسعيرية لأدوات الدين السيادية.
وعندما تبدأ عملية بناء الأوامر الخاصة بالإصدار، يلتفت المستثمرون إلى عاملين، أولهما هوامش الائتمان الخاصة بجهة الإصدار، وثانيهما معدلات مؤشر القياس، وذلك وفقا لآجال الاستحقاق المستهدفة.
وعندما يتم دمج هذه الأرقام أي "هوامش الائتمان" مع "مؤشر القياس" يتم الحصول على العائد النهائي، وذلك عندما يغلق الإصدار، مع العلم أن هوامش الائتمان تمر بثلاث جولات للأسعار الاسترشادية قبل أن يتم تقليص تلك الأرقام مع كل جولة، وذلك بحسب حجم إقبال المستثمرين على الإصدار.
الأسواق الناشئة
وأدت تحركات الاحتياطي الفيدرالي لرفع أسعار الفائدة في محاولة منه لترويض التضخم المرتفع إلى ارتفاع سعر صرف الدولار الأمريكي.
وزاد هذا من الضغط على اقتصادات الأسواق الناشئة التي يتعين عليها سداد ديونها المقومة بالدولار، في حين أن تشديد الأوضاع المالية يلحق الضرر في الدول النامية التي تعاني بالفعل نقصا في الأموال.
وقال روبرتسون لصحيفة "فايننشيال تايمز"، "الأسواق الناشئة لا تحب أن يقوم الاحتياطي الفيدرالي برفع أسعار الفائدة ولا تحب أن يرتفع الدولار أيضا"، مضيفا أنه "عندما يحدث ذلك، فإنها تعد أخبارا سيئة للدول التي تحتاج إلى رأس المال، فنحن لم نشهد ارتفاعا في الأسعار، كما يحدث الآن منذ 30 عاما تقريبا".
المستثمرون المضاربون
وتتطلع جهات الإصدار إلى أن تستقر إصداراتها في محافظ المستثمرين الطويلة الأجل، حيث إن هناك المستثمرين المضاربين الذين يتنقلون بين الأوراق المالية المطروحة حديثا ويتميزون بكونهم يجنون أرباحا سريعة خلال الأيام الأولى من التداولات بالسوق الرمادية ومن ثم الثانوية.
وبخلاف المضاربين فهناك جزء من المستثمرين من يحصل على نسبة سندات أكثر مما كان يرغب فيها over-allocation خلال مرحلة الاكتتاب.
وعليه يقوم مديرو المحافظ بإحداث ضغوطات بالسوق الثانوية عبر بيع فائض تلك السندات بالسوق الثانوية، في حين قد تأتي الضغوط البيعية بالسوق الثانوية من المستثمرين الذين حصلوا على حصص صغيرة من تلك الإصدارات، بحيث يصعب عليهم تحقيق عائد مقبول على محافظهم، ولذلك يقررون تسييل تلك السندات.
وبعض الأحيان تكون هناك مبيعات بأسواق الدخل الثابت، غير أن هذه المبيعات تكون متركزة على أدوات الدين ذات التصنيف الائتماني المرتفع.
والسبب في ذلك لا يرجع إلى توهن في الأساسيات الاقتصادية، بل لكون عمليات البيع تركزت من شركات إدارات الأصول العالمية، التي تستثمر بأحجام كبيرة، نظرا لطلبات التخارج التي تنهال مع الأزمات، على معظم صناديق الدخل الثابت التي يديرونها.
والاستراتيجية الأولية لتلك الصناديق كانت عدم التفريط بتلك الأوراق المالية، التي يعد بعضها بمنزلة الملاذات الآمنة بالأسواق الناشئة، لولا انعدام السيولة التي حدثت لسندات الدول ذات التصنيف المتدني التي يكون حجم إصدارها صغيرا الذي على أثره لم تستطع تلك الصناديق تسييل تلك الأصول بسبب عدم وجود مشترين بالسوق الثانوية.
ومعلوم أن المستثمرين بسوق الدخل الثابت وكذلك شركات إدارة الأصول يستعينون بتلك المؤشرات من أجل مقارنة أداء أدوات الدين بأداء مؤشر لبلد ما أو منطقة جغرافية محددة.
ومن المتعارف عليه مع شركات إدارات الأصول، فإن هناك مؤشر قياس "لكل فئة من الأصول الاستثمارية، وذلك لكي يقيس مدير الصندوق الأداء السنوي للصندوق مع مؤشر القياس الذي يسترشد به".
والغاية من ذلك تكمن في مساعدة المستثمر بتلك الصناديق من قياس أرباح أو خسائر الصندوق، وفقا لمؤشر قياس يعتد به.
وإضافة إلى ذلك، يقوم العاملون بأسواق الدين بتسعير السندات والصكوك ارتكازا على "نقاط الأساس" المنبثقة من هوامش الائتمان لجهة الإصدار، وكذلك "مؤشر القياس" الذي يستعان به.
وتترجم نقاط الأساس تلك إلى عشرات أو مئات الملايين من الدولارات، وفقا لإجمالي حجم كل إصدار، التي تدفعها جهات الإصدار على شكل أرباح دورية للمستثمرين.
وعليه، فالانخفاضات الملحوظة حاليا على منحنى العائد السيادي للسعودية تعد إيجابية لخزانة الدولة وإصداراتها المستقبلية.
أهمية التصنيف
ويعني تخفيض درجة التصنيف الائتماني بلغة مبسطة، سواء للحكومات أو للشركات، أن تكلفة جمع أموال من الأسواق، سواء المحلية أو الدولية قد أصبحت مرتفعة عن ذي قبل والأمر نفسه ينطبق على مسألة الديون القائمة التي قد يعاد تمويلها عندما يحين أجل سدادها.
إلا أن مسألة "القدرة على الاستدانة" بتكلفة "يسيرة" تصبح أكثر تعقيدا مع تذبذبات الأسواق الحالية وعدد محدود من الدول من يستطيع الاقتراض بتكلفة متدنية على خزانة الدولة.
في حين يعني فقدان بعض الدول لتصنيفاتها الاستثمارية التي تبدأ من AAA إلى BBB- إلى درجات التصنيف غير الاستثمارية أو الخردة والتي تبدأ من BB+ إلى B- أن بعض المستثمرين من شركات إدارات الأصول سيتخلون عن تلك الأوراق المالية بشكل فوري بسبب قيود السياسة الاستثمارية التي يتبعونها مع الصناديق التي يديرونها.
وأظهر رصد "الاقتصادية" أن دولا عدة بالأسواق الناشئة قد وجدت نفسها في مواقف صعبة بعد أن تفوقت الاقتصاديات المتقدمة بإيجاد حزم مساعدات تحفيزية لاقتصاداتها المحلية من أجل مكافحة تبعات جائحة كوفيد-19.
وكان التباين واضحا من الأسواق الناشئة، فبعض الدول تفضل أن تتعثر في سداد مديونتها للمستثمرين الدوليين بحجة توفير تلك الدفعات الدورية للاقتصاد المحلي لمواجهة تبعات جائحة كورونا، وأخرى طلبت من المؤسسات الدولية (صندوق النقد والبنك الدولي) إيجاد حل لديونها الدولية عبر تجميد تسديدها للدائنين.
وبعض الدول تعثرت قبل جائحة كورونا كفنزويلا ولبنان والأرجنتين والأخرى يتوقع لها أن تتعثر قريبا بحكم تآكل احتياطياتها المالية وانهيار أسعار سنداتها بالأسواق الثانوية وعدم توافر احتياطيات كافية من النقد الأجنبي كبعض بلدان إفريقيا جنوب الصحراء.
في حين يخشى البعض من الاستدانة من أسواق الدين المحلية الخاصة بها لكي لا تتأثر سيولة القطاع المصرفي، أما الدول التي لديها تصنيف من الدرجة الاستثمارية، لكن عند المستوى الأدنى، فقد استدانت من السوق الدولية، ولكن اضطرت لدفع علاوة سعرية باهظة.
في حين تتوافر خيارات واسعة لعدد قليل من اقتصادات الأسواق الناشئة، التي تعد بمنزلة الملاذات الآمنة.
وحدة التقارير الاقتصادية