فكر تربوي في يوم المعلم العالمي

احتفل العالم الخميس الماضي، الموافق 9 / 10 / 2023، بيوم المعلم العالمي، للتذكير بقيمة المعلم وأهميته في حياة الأمم وقوتها، لما يبذله من جهد في تربية الأجيال، في إيصال المعرفة، وبث الوعي، وتخريج أفراد أحوج ما يكون المجتمع إليهم، لتحقيق التنمية المستهدفة من قبل المجتمع.
مع التقدم الهائل في التقنية في صناعة الروبوتات، والتحكم في المثيرات الصوتية واللونية والحجم والشكل، يدور في خلد البعض إمكانية الاستغناء عن المعلم في يوم من الأيام، طالما تمكن الطالب من الوصول إلى المعرفة. ومثل هذا الطرح يستند إلى أن دور المعلم مقتصر على نقل المعرفة من الكتب، أو مصادرها الأخرى. وهذا الافتراض غير صحيح، فالمعرفة ليست إلا جزءا مما يحققه المعلم إذا قام بدوره بالشكل الصحيح. إن نقل وتثبيت قيم وأخلاق وعادات وتقاليد وثقافة المجتمع، إضافة إلى كونه قدوة حسنة في سلوكه، وما يمكن أن يبثه في نفوس طلابه من مشاعر واتجاهات إيجابية نحو وطنه، كل هذه تمثل الركيزة الأساسية التي تتشكل من خلالها شخصية المواطن الصالح القادر على العمل والعطاء والمحافظة على المكتسبات.
المعلم بمعرفته المتخصصة، وخبرته وحماسه ووعيه بدوره في إعداد أجيال الحاضر والمستقبل يستطيع أن يفصل الأمثلة، ومقدار المعلومة حسب ظروف الطلاب واحتياجاتهم الخاصة، من خلال تعامله معهم، وكشف الفروق الفردية بينهم، ما يمكنه من التعامل بصورة فردية إذا لزم الأمر، وهذا ما لا يمكن تحقيقه بالتقنية التي لا شك لن يمكنها قراءة مشاعر ورغبات الطلاب.
صحيح إن التقنية، وبالأخص محركات البحث والتطبيقات والبرامج التعليمية وبرامج التحليل الإحصائي وغيرها كثير، سهلت الوصول إلى المعارف، ومكنت الباحثين والطلاب من الوصول إليها مباشرة دون انتظار للمعلم لينقلها إلى طلابه، إلا أن ما يضربه من أمثلة، وما يقوم به من ربط بين أجزاء المعرفة وتطبيقاتها في الحياة اليومية، يحقق أهدافا لا يمكن تركها للتقنية.
نجاح المعلم، ومن ثم نجاح العملية التربوية بكاملها لها استحقاقات يلزم توافرها، إذ يلزم إعداد المعلم إعدادا جيدا، وذلك باختيار أفضل الأفضل من متخرجي المرحلة الثانوية للدراسة في كليات التربية، والبرامج المعدة لذلك، سواء كان الإعداد وفق النظام التكاملي، أو التتابعي، آخذا في الحسبان ذوي النسب العالية، والرغبة العالية للعمل في الحقل التعليمي، كما أن قوة برامج إعداد المعلمين، والقائمين على تنفيذ هذه البرامج أمر حتمي لاكتساب المعرفة، ومهارات التعامل مع الطلاب، وخصائص الدافعية العالية، والاستقامة والتحلي بالأخلاق العالية.
المعلم يحتاج إلى مكانة رفيعة في المجتمع تشعره بالتقدير والاحترام من مكونات المجتمع كافة، أفرادا ومؤسسات وأولياء أمور وطلابا، كما أن رفع مستواه المادي يمكنه من التفرغ التام للمهنة بدل الانشغال بنشاطات أخرى تأخذ وقته وجهده بعيدا عن وظيفته الأساسية، كما أن مراعاة العبء التدريسي والعدد المعقول من الطلاب تسمح له بالرفع من مستوى أدائه، واكتشاف الاحتياجات الفردية، فالمعلم لا يمكنه أداء رسالته في الظروف الصعبة.
إن بيئة العمل ممثلة في المدرسة، والإدارات العليا ممثلة في الوزارة وإدارات التعليم ومكاتب الإشراف، تسهم في إيجاد بيئة عمل جاذبة في نظافتها، وجودة مرافقها، وتوافر الإمكانات المساعدة، إضافة إلى سلاسة الإجراءات الإدارية، مع سيادة مناخ الأسرة الواحدة، كلها عوامل ضرورية، فهل نراجع وضعنا ونكمل ما نقص؟

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي