قراءة في صراع البشر مع الآلات
في 1998، أقيمت مظاهرة حاشدة من قبل أكثر من ستة آلاف معلم رياضيات تحت شعار "الحساب أو عدم الحساب" في الولايات المتحدة، وكان سبب الاحتجاج هو استخدام الآلات الحاسبة في الفصول الدراسية. وكان الاحتجاج ضد سياسة المجلس الوطني لمعلمي الرياضيات التي أوصت بـدمج الآلة الحاسبة في برنامج الرياضيات المدرسي في جميع المراحل الدراسية تحت سياسة، أنه يجب تعليم كل طالب كيف ومتى يستخدم الآلة الحاسبة في كل مستوى دراسي. بينما سبب احتجاج المعلمين هو عدم إتاحة مجال للطلاب لتعلم المهارات الحسابية إذا استخدمت المدارس الآلات الحاسبة، وأن الآلة مجرد طريق مختصر لإنهاء الواجب المنزلي من غير جهد يذكر.
ولكن قال مناصرو الآلات الحاسبة إن استخدام الآلة الحاسبة اليدوية ستكون بعد أن يعرف الطالب الحقائق الرياضية، وأنه يجب على الطلاب أن يتعلموا استخدام الأدوات التقنية الحديثة. ومنذ ذلك العام (1998)، بدأت هذه المهارات الحسابية في الذوبان والتلاشي مع ظهور آلة حاسبة في الجوال، وأن بعض الطلاب (حتى في الجامعات) لا يحفظ جدول الضرب أو لا يستطيع إجراء عملية حسابية بسيطة إلا بمساعدة الآلة الحاسبة. ومنذ بزوغ نجم الذكاء الاصطناعي في منتصف القرن الـ20، استكشف نهج جديد لبناء آلات ذكية، حيث اخترع الحاسوب الرقمي وآلات يمكنها محاكاة عملية التفكير الحسابي. وبعد ظهور تقنية ChatGPT في 2023، وهو نموذج لغة متقدم تم تطويره بوساطة شركة OpenAI لتوليد مخرجات مضاهية للغة الإنسان استنادا إلى كميات كبيرة من البيانات المدخلة.
ويعتمد البشر على الآلات حاليا في قضاء مهام محددة، والتي تستخدم بطبيعة الحال الذكاء الاصطناعي وتعلم الآلة وبقية ما أفرزته تقنيات الثورة الصناعية الرابعة، وتقوم الآلات بإنتاج الأشياء التي يحتاج إليها البشر للاستخدامات اليومية بكميات كبيرة. ومن الملاحظ انه مع مرور الزمن، بدأت الممارسات البشرية تتجه نحو الانتقال إلى مهارات الآلات بدءا من المهارات الحسابية، مرورا بعدة مهارات نراها أمام أعيننا تتلاشى في محيط الآلة. لقد بدأنا نرى أن الآلة بمساعدة الذكاء الاصطناعي قد تستحوذ على مهارة الكتابة والقيادة الذاتية للمركبات الكهربائية والتدقيق اللغوي وكتابة البريد الإلكتروني وغيرها. ولا يزال الوقت مبكرا أمام الآلة في السيطرة على بقية المهارات، مثل التفاوض والعرض والبيع والشراء. ولقد احتلت الروبوتات والآلة بعض المهن البشرية بالفعل، وحققت تطورات هائلة في أدائها وقدراتها في الأعوام الأخيرة، وبدأت بعض الشركات فعليا في تطوير منتجات جديدة بمساعدة الآلة والذكاء الاصطناعي عوضا عن الاعتماد على المهارات البشرية، الأمر الذي قد يولد صراعا محتدما بين البشر والآلات في المستقبل.
يوجد شعور لدى البعض بضرورة تقييد استخدام الذكاء الاصطناعي وChatGPT وتعلم الآلة بين طلاب المدارس والجامعات، لأنها قد تنشر معلومات كاذبة عن غير قصد وتعيق قدرات الطلاب على التعلم وفهم المنهج واستكشاف أفكار جديدة، فضلا عن الخشية من تلاشي المهارات، ولذلك خرجت بعض الأصوات التي تنادي بأن هذه التقنيات ستقضي على مهارات بشرية وتمحوها مع مرور الزمن.
وفي الختام، يجب ضبط عملية إطلاق تعلم الآلة والذكاء الاصطناعي على المجتمع البشري على الرغم من أنهما لا يمكن أن يحلا محل البشر، في حين أن الذكاء الاصطناعي يمكنه أداء مهام معينة بنمط أسرع ودقة أكبر من البشر، بيد أنه يفتقر إلى المستوى نفسه من الذكاء العام والإبداع والحس النفسي والفهم الاجتماعي الذي يمتلكه بنو البشر. بل إن بعض المهارات البشرية لا يمكن للآلة والذكاء الاصطناعي امتلاكها، ويشمل ذلك التفكير النقدي والإبداع الذاتي والذكاء العاطفي وحل المشكلات والقدرة على التكيف واتخاذ القرارات المعقدة، وربما يحمل المستقبل مفاجآت غير سارة للبشر من تطور الآلات والذكاء الاصطناعي.