إدارة الخدمات لكل خدمة ومنتج
تحدثنا في المقالات السابقة عن التطور التاريخي لإدارة الخدمات وتطور ممارسات التطوير والتحسين، وتناولنا كذلك بعض الجوانب من النواحي التشغيلية والسلوكية. كان معظم الحديث يدور حول تقديم الخدمة كقيمة مستقلة يتطلع لها العميل المستفيد. ولكن في حقيقة الأمر حتى في عالم المنتجات المحسوسة أصبحت إدارة الخدمات جزء أساسي من المعادلة.
إذن لا يمكن بيع المنتج إلا بتنفيذ سلسلة من الخدمات المصاحبة التي تبدأ من البيع والتسويق حتى التسليم والمتابعة. وبالطبع تأتي خدمات ما بعد البيع في قمة نقاط الاحتكاك الأكثر أهمية.
لو نظرنا للمنتجات التقليدية المحسوسة لوجدنا أن هناك اتجاه واضح يحصل منذ فترة ليست بالقصيرة للتحول إلى تقديم قيمة خدمية متكاملة، وهذا أمر متأثر بالتقنية وتطور رغبات العملاء. تحديدا، توجهات التمركز حول العميل تزيد من عبء تقديم الخدمات ـ مقارنة بالمنتج المحسوس ـ في مزيج ما يقدم للعميل. وكذلك شكل التنافس ودخول مزيد من اللاعبين سببا رئيسا في زيادة الخدمات ذات القيمة المضافة. وبالاستثمار في هذا الجانب تطورت كثير من الخدمات المصاحبة لتقديم المنتجات مثل الصيانة والتخصيص والخدمات الإضافية، وأصبحت مع مرور الوقت جزءا لا يتجزأ من قيمة المنتج حتى وإن كان المنتج مجرد قطعة مادية ثابتة.
من الجوانب الأخرى التي صنعت مزيدا من التداخل بين إدارة المنتج وإدارة الخدمة تطور نماذج البيع.
في السابق كانت عملية البيع مجرد تمرير للملكية، ثم ثبتت معها المسؤولية تجاه خلو المنتج من الأخطاء والعيوب. ومع تطور الأنظمة واللوائح الاستهلاكية وارتفاع وعي العملاء وزيادة التنافس تطورت النماذج البيعية وشملت التأجير والاشتراكات الشهرية والسنوية. قد تأخذ المنتج وتضعه في بيتك، ولكنك لا تملكه، هذا يؤدي إلى تغيير جذري من ناحية توزيع المسؤوليات. مالك المنتج هنا يصبح مقدم خدمة، ويتحمل بالكامل مسؤولية الصيانة واستمرارية العمل وغير ذلك من الأمور.
بكل تأكيد انتقلت النماذج البيعية إلى مرحلة جديدة بالكامل بعد ما يسمى الاقتصاد التشاركي وتطور نماذج البيع، إذ أصبحت تشمل مشاركة الأرباح وقائمة طويلة من النماذج المتطورة والمعقدة، التي تقوم على القيمة المبنية على الإمكانات التقنية. وهذا أدى إلى ما وصلنا إليه أخيرا، صعوبة وضع الحدود بين المنتج والخدمة بتعريفاتهم التقليدية.
هكذا تتداخل القيمة التي يود مقدمها طرحها لعملائه، ويتسع تعريفها ليشمل عديدا من التفاصيل ذات السمات المحسوسة وغير المحسوسة. لكل من هذه التفاصيل قواعد خاصة بعملية القياس والمراجعة والتحسين، وهنا مربط الفرس.
من ينظر إلى ما يقوم به، سيجد نفسه يستخدم مزيجا لا يستهان به من التداخل الخدماتي في كل عمل ينفذه. وفي معظم الأحيان يشكل هذا التداخل درجات مختلفة من أنواع الخدمات ابتداء من الخدمات التي تم تصميمها ومعايرتها وانتهاء بالخدمات الخاصة والمتخصصة والطارئة. تحديد هذا المزيج بشكل متعمد ـ وليس عشوائيا ـ وممارسة أسس التميز الخدماتي وأخذ الاعتبارات التشغيلية والسلوكية في الحسبان وقراءة الموقف بشكل منتظم عن طريق آليات القياس ـ كما ذكرنا سابقا ـ كفيل بتحسين النتائج بشكل واضح ومؤثر.
قد يقول قائل إن التداخل بين أسس وأساليب تقديم المنتج المحسوس والخدمة تقل وتزيد حسب الصناعة أو القطاع، وهذا صحيح. ولكن، ينبغي التنبه إلى أننا اليوم وفي عالم السرعة والتفاعل العالي لا يستغني المنتج المحسوس عن ضرورة مصاحبة خدمات عالية الجودة له. من ذلك المنتجات التقليدية مثل، المنتجات الاستهلاكية سريعة الحركة FMCG أو منتجات البناء والتصنيع. حتى هذه المنتجات تجد لمقدميها اليوم حسابات على إنستجرام وخدمة عملاء تكاملية وربما أندية اجتماعية وغير ذلك. من الصعب جدا صنع القيمة وإدارة التطلعات في أي قطاع أو مجال، إلا بتميز تشغيلي وفهم سلوكي جيد تقوم عليه الخدمة الأساسية والخدمات المصاحبة.