الاستدامة ورفع كفاءة الاستهلاك «1»

الطاقة شريان الاقتصاد، ومحرك التنمية، وقلب التطور النابض، ولا يمكن بأي حال من الأحوال أن تطور المجتمعات وترتقي في سلم المدنية بمنأى عنها. أدق التعريفات التي قرأتها عن الاستدامة، أنها "تلبية حاجات الحاضر دون المساس بمقدرات الأجيال القادمة لتلبية حاجاتها الخاصة". الدول التي تعتمد بصورة كلية أو جزئية على الموارد الهيدروكربونية "النفط والغاز والفحم" في توليد الطاقة، تعي تماما أن هذه الموارد ناضبة، ويجب العمل بالتوازي على ركيزتين رئيستين هما رفع كفاءة استهلاك هذه الموارد لإطالة عمرها قدر المستطاع، وإحلال مصادر الطاقة الأخرى بموضوعية. بعيدا عن الأسطوانة المشروخة التي تردد بشكل كبير خلال العقد الأخير حول إقصاء الوقود الأحفوري، وعلى رأسه النفط، ووضعه في قفص الاتهام، وبعيدا عن الأجندات السياسية والاقتصادية ضيقة الأفق، بعيدا عن كل ذلك، أرى أن إحلال الطاقة المتجددة والبديلة ليس ثوبا يناسب جميع الدول، فذلك يعتمد على عوامل فنية واقتصادية وأمنية وغيرها لكل دولة. القدرة الاقتصادية والفنية والبنية التحتية وكمية الاستهلاك تختلف من دولة إلى أخرى، بل أضيف أن الوعي أيضا يلعب دورا مهما في كيفية وسرعة بل نسبة إحلال مصادر الطاقة الأخرى، فعلى سبيل المثال، الحاجة الملحة إلى مصادر طاقة رخيصة في أوروبا وبسبب الضرائب العالية فيها، وبسبب التوجه السياسي لهذه الدول، أسهم -في اعتقادي- في رفع مستوى الوعي لهذه الدول بأهمية الطاقة الشمسية وتطبيقاتها وجدواها الاقتصادية على المديين المتوسط والبعيد.
السعودية -في اعتقادي- أنموذج يقتدى به في التعاطي مع ملف الطاقة المتجددة، فمن خلال وزارة الطاقة، وبالتعاون مع الهيئات والجهات ذات العلاقة، الذين يعملون بكفاءة لتحقيق استدامة الطاقة من خلال رفع كفاءة الإنتاج، والاستهلاك على حد سواء، والوصول في 2030 إلى مزيج من الطاقة، تشكل الطاقة المتجددة 50 في المائة. بحسب إدارة معلومات الطاقة الأمريكية، من المتوقع أن يرتفع استهلاك الطاقة نحو 50 في المائة 2050 ليصل إلى 900 كوادريليون "مليون مليار" وحدة حرارية، مقارنة بكمية الاستهلاك 2020 التي تبلغ 620 كوادريليون وحدة حرارية، وجل هذا النمو يأتي من الدول الآسيوية. الأرقام السابقة بناء على استشراف مستقبل كمية الطاقة المستهلكة، تعزز التوجه العالمي والمحلي لرفع كفاءة الاستهلاك والمحافظة على مصادر الطاقة الناضبة.
بالعودة إلى بيانات البنك المركزي السعودي -مؤسسة النقد العربي السعودي «ساما» سابقا- والشركة السعودية للكهرباء، قبيل جائحة كورونا، نجد أنه في 2019 بلغت كمية الاستهلاك من الكهرباء في السعودية لجميع القطاعات نحو 280 تيرا واط لكل ساعة، تشمل جميع القطاعات. استهلك القطاع السكني نحو 45.8 في المائة من إجمالي كمية الاستهلاك من الكهرباء المبيعة في السعودية، حيث بلغ الاستهلاك نحو 128.1 تيرا واط لكل ساعة، وجاء ثانيا الاستهلاك في القطاع الصناعي، حيث شكل نحو 17.7 في المائة، ثم القطاع التجاري نحو 16.7 في المائة، والقطاع الحكومي نحو 13.5 في المائة من إجمالي الاستهلاك في السعودية. وبلغت كمية الاستهلاك في القطاع الحكومي نحو 37.7 تيرا واط لكل ساعة. نكمل ما بدأناه في المقال المقبل، وسأسلط الضوء على أهمية تنويع مصادر الطاقة لتلبية نمو الاستهلاك المحلي والعالمي... يتبع.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي