قمة العشرين بين طموحات وأزمات

تجتمع مجموعة العشرين في كل عام في إحدى الدول الأعضاء، وكان آخر اجتماع في عاصمة الهند، السبت والأحد الماضيين، 9 و10 سبتمبر 2023. هذه المجموعة منتدى للكبار، تجتمع فيه 20 دولة صاحبة أكبر اقتصادات الأرض، وتشاركها أهم المنظمات العالمية في الاقتصاد والتجارة الدولية. ونصيب دول مجموعة العشرين أكثر من نصف سكان الأرض، وأكثر من ثلاثة أرباع الاقتصاد العالمي وتجارته.
تناقش في كل اجتماع أوضاع الاقتصاد العالمي ومساره، وما ينبغي عمله تجاهه. وفي الاجتماع الأخير، جرى التركيز أكثر على الأزمات المهددة للاقتصاد العالمي ونموه، وتناول النقاش موضوعات من قبيل تغير المناخ، وكيفية تقليل الآثار السلبية للحرب الروسية - الأوكرانية، وتقليل الفقر في العالم.
وهناك مجموعة أصغر من الدول الأعضاء في مجموعة العشرين تحت اسم مجموعة السبع. وهذه المجموعة أساس لقيام مجموعة العشرين قبل ربع قرن تقريبا. وقتها حدثت أزمة آسيوية بدأت بانهيار عملة تايلاند، فكان ذلك من أسباب تشكيل مجموعة العشرين، ورفع مستوى المشاركة بعد حدوث الأزمة المالية العالمية 2008. وهناك خلافات على مصالح كبيرة بين بعض أعضاء المجموعة. وكان ذلك من أسباب تأسيس مجموعة ثالثة منفصلة وحديثة عهد نسبيا تسمى مجموعة بريكس. ويعرف الإخوة القراء أن هذه المجموعة وجهت قبل مدة قصيرة دعوة إلى دول قليلة منها بلادنا للانضمام إليها.
الموضوعات الاقتصادية كانت أساس اهتمام مجموعة العشرين. وطبيعة هذه الموضوعات التوسع مع مرور الأعوام. استجدت اهتمامات فيما يسمى التنمية والطاقة المستدامة والفقر العالمي، وفي موضوعات المناخ والديون الدولية، والتعاملات التجارية بين الدول وتجاه الشركات العالمية.
عقدت قمة 2020 في الرياض، وعند تسلم المملكة رئاسة قمة 2020، صرح ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، بأن المملكة تلتزم خلال رئاستها المجموعة بتعزيز التوافق العالمي، والتعاون مع شركاء المجموعة للتصدي لتحديات المستقبل.
خلال تلك القمة، قادت المملكة برنامجا ماليا طموحا لمجموعة العشرين استهدف تخفيف أضرار الجوائح خاصة. هذا البرنامج طارئ منسق غير مسبوق في تاريخ مجموعة العشرين. وفي قمة هذا العام دعت إلى صياغة نظام اقتصادي عالمي يتسم بنمو متوازن ومستمر. وأعلن الأمير محمد بن سلمان ولي العهد رئيس مجلس الوزراء، توقيع مذكرة تفاهم لمشروع اقتصادي كبير بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا، تتويجا لعمل شهور.
رغم كل ما سبق من توجهات واهتمامات، فإنه تحدث بين وقت ووقت أوضاع تثير أزمات وخلافات بين بعض الدول. أوضاع جرت وتجر إلى مشكلات على الاقتصاد العالمي، تعاملا وأسعارا وإنتاجا وتوزيعا. وربما كان من أحدثها حرب روسيا وأوكرانيا، وطبعا كانت موضع نقاشات وخلافات في قمة الهند.
حققت مجموعة العشرين نجاحات عبر تبني مجموعة تدابير تقلل من مشكلات الاقتصاد العالمي، لكن في المقابل هناك أزمات وإخفاقات، تجعل ما تحقق ويتحقق دون الطموحات. ومن المستبعد جدا حصول إجماع على كثير من الأمور المهمة، لذا حصل رفض من بعض مسؤولي بعض الدول المشاركين في قبول بعض ما جاء من بيانات معدة في نهاية الاجتماعات.
تتطلب المشكلات والتغيرات والتحديات من الدول وقادة الرأي الاهتمام أكثر بتطبيق إصلاحات ترمي إلى زرع قوي لثقافة التعاون. وصدرت من السعودية أكثر من مبادرة تدعو إلى العمل على وضع حد لحالة التشتت. وسبق أن طرح عدد من قادة السعودية توصيات ومقترحات خلاصتها دعوة مفكري العالم عامة ومفكري العالم الإسلامي خاصة، إلى استكشاف أفضل الحلول لتخفيف مشكلات البشرية. وهذا يعني الدعوة إلى تعزيز قيم التعاون وممارسات وتطبيقات العدالة الاجتماعية والشفافية ومكافحة الفساد وتحقيق الأمن المعيشي في حده الأدنى. كما يعني ذلك الوصول إلى حل عادل شامل للقضية الفلسطينية، وغيرها من قضايا عالمية.
كل ما سبق يتطلب عملا دوليا يقوم على التعاون على البر، وليس على المكابرة والعدوان في علاقات الدول وفي العولمة.
نوع التعاون ورد في قوله تعالى «وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان». توجيه عام للبشرية، أمر سبحانه جميع الخلق بالتعاون على البر والتقوى. والمعنى كما ذكر علماء تفسير معتبرون، أي ليعن بعضكم بعضا أيها البشر. تعاونوا على ما أمر الله به وانتهوا عما نهى عنه.
وهذا موافق لما روي عنه -صلى الله عليه وسلم- أنه قال «الدال على الخير كفاعله». وتبعا قيل الدال على الشر كصانعه. وقال علماء إن البر والتقوى لفظان بمعنى واحد، وكرر بلفظ مختلف تأكيدا. والتعاون على البر والتقوى يكون بوجوه، وأما ترك التعاون على العدوان، فعلى رأسه ترك ظلم الناس.
ويعلق المتخصصون في الاقتصاد وغيره آمالا كبيرة على توجه جاد نحو إجراء تعديلات في العلاقات الاقتصادية الدولية، بما يتيح حل الأزمات بصورة أسرع وأضبط، وهنا تكمن أهمية فهم طبيعة الأزمات ومصطلحاتها. معرفة وفهم أجود للمصطلحات والمعاني الاقتصادية تساعد المسؤولين أكثر على التعامل مع الظروف الاقتصادية غير الطبيعية.
الخلاصة، أن للتعاون أهمية كبيرة في تماسك المجتمع وتقويته وتقوية المحبة بين البشر، وكل هذا يساعد على تخفيف ما يصيب البشر من جوائح وأضرار. وبالله التوفيق.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي