تحديات ضوابط التصدير «3 من 4»
وبخصوص القواعد الضعيفة والخبرات المحدودة تتسم قواعد منظمة التجارة العالمية التي قد تحد استخدام قيود التصدير على المستوى القومي بضعفها النسبي. فالمادة الـ11 من الاتفاق العام بشأن التعريفات الجمركية والتجارة "جات" مثلا تجيز الاستثناءات بشأن "أشكال الحظر أو القيود المفروضة مؤقتا على الصادرات لمنع حدوث نقص حاد، أو التخفيف من حدته، في إمدادات المواد الغذائية أو غيرها من المنتجات الضرورية للطرف المتعاقد القائم بالتصدير". لكن لم يرد تعريف بشأن "المنتجات الضرورية". وعلاوة على ذلك، تنص المادة الـ21 على استثناء لأغراض الأمن القومي يسمح للدول باللجوء إلى سياسات معينة وتبريرها حسب الحاجة إلى حماية مصالح الأمن القومي الضرورية. بإمكان نظام منظمة التجارة العالمية تقديم العون بالاستعانة بما لديه من خبرات.
وفي الواقع العملي، نجد أن النظام التجاري متعدد الأطراف الذي نشأ أثناء الحرب الباردة لم يضطر قط إلى التعامل مع مسائل عويصة تدور حول ضوابط التصدير، والعداوات المسلحة، والعقوبات الاقتصادية ذات الصلة. وكانت هذه القضايا قد انتهت مع انضمام دول مثل الصين "2001" وروسيا "2012" إلى عضوية منظمة التجارة العالمية ـ حتى وقتنا الحالي. إذن، كيف يمكن لمنظمة التجارة العالمية القيام بدور أكثر فاعلية؟
فالحكومات، خارج نطاق الأمن القومي، تفرض في الأغلب قيودا جديدة على الصادرات عندما لا تتوافر لديها المعلومات الكافية وتخشى من نقص الإمدادات في الأسواق. وهنا يتعين على منظمة التجارة العالمية تشجيع عمليات الرقابة على الأسواق واتخاذ المبادرات المتعلقة بالشفافية، مثل "نظام المعلومات المتعلقة في الأسواق الزراعية"، كلما أمكن للحد من فرض مثل هذه القيود.
غير أن المسألة تتسم بصعوبة أكبر عندما تتعلق بالإجراءات على مستوى السياسات التي تحفزها المخاوف المتعلقة بالأمن. فالأحكام القانونية الصادرة نتيجة اعتراض دول على مثل هذه الإجراءات في إطار تسوية المنازعات الرسمية داخل منظمة التجارة العالمية لم تحقق نتيجة تذكر وبدلا من ذلك زادت الضغوط الواقعة على كاهل النظام التجاري متعدد الأطراف المثقل بالفعل بالضغوط. وكبديل للجوء إلى التقاضي، اقترحت الولايات المتحدة، في بيان لها أخيرا أمام منظمة التجارة العالمية، أن يقوم الشركاء التجاريون المتضررون بإقامة ما يعرف باسم الدعاوى "غير المختصة بانتهاك القواعد".
وتتمثل الفكرة هنا في أنه بعد لجوء بلد ما للدفاع عن سياسته بحجة اعتبارات الأمن القومي، يمكن أن تنتقل المنازعة مباشرة إلى التحكيم، مع تقديم التنازلات بغية "إعادة توازن" التجارة الخارجية. وتكون النتيجة اتباع مبدأ المعاملة بالمثل في إطار منظمة التجارة العالمية ـ فإذا قررت دولة ما فرض القيود على صادراته فإن النتيجة المتوقعة ستكون باتباع الدول الشريكة في التجارة المنهج نفسه. ومثل هذا التصرف الثأري سيحقق الفائدة المنشودة المتمثلة في منع تفاقم الأمور.
وستوجد هذه التكلفة حوافز إضافية تضعف الرغبة في المغالاة في استخدام القيود على الصادرات لأغراض الأمن القومي في المقام الأول. ولا سيما إذا تم الانتقال إلى التحكيم بسرعة ـ على عكس الانتظار لعدة أعوام حتى تتحقق نتائج عملية التقاضي العادية في منظمة التجارة العالمية.. يتبع.