السعودية وتركيا .. 9 عقود من التعاون وعزم على توثيق الروابط
ترتبط السعودية وتركيا بعلاقات تاريخية أخوية وثيقة يعود تاريخها الدبلوماسي إلى 1929، إثر توقيع اتفاقية الصداقة والتعاون بين البلدين.
ونظرا للمكانة التي يتمتع بها البلدان على الأصعدة كافة، شهدت العلاقات تطورا ونموا، ومزيدا من التعاون والتفاهم المشترك حول الموضوعات التي تهم مصالح البلدين والأمة الإسلامية.
وتطورت العلاقات بشكل ملحوظ خلال عامي 2015 و2016، وشهدت حراكا ملحوظا، حيث عقدت خمس قمم سعودية - تركية جمعت خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز مع الرئيس رجب طيب أردوغان.
وتوجت زيارة خادم الحرمين الشريفين الرسمية إلى تركيا في نيسان (أبريل) 2016، ولقائه بالرئيس التركي، بالإعلان عن إنشاء مجلس التنسيق السعودي - التركي، لتعزيز التعاون المشترك في المجالات السياسية والدبلوماسية، والاقتصاد والتجارة، والبنوك والمال، والملاحة البحرية، والصناعة، والطاقة، والزراعة، والثقافة، والتربية، والتكنولوجيا، والمجالات العسكرية والصناعات العسكرية والأمن، والإعلام، وقد عقد المجلس اجتماعه الأول في شباط (فبراير) 2017 في أنقرة.
ورحبت تركيا بإطلاق المملكة مبادرتي "السعودية الخضراء" و"الشرق الأوسط الأخضر"، معربة عن دعمها لجهود المملكة في مجال التغير المناخي من خلال تطبيق نهج الاقتصاد الدائري للكربون، الذي أطلقته المملكة، وأقره قادة دول مجموعة العشرين.
وجدد الجانبان تأكيدهما على أهمية الالتزام بمبادئ الاتفاقية الإطارية للتغير المناخي واتفاقية باريس، وضرورة تطوير وتنفيذ الاتفاقية المناخية بالتركيز على الانبعاثات دون المصادر.
وانطلاقا من حرص تركيا على توطيد العلاقات مع المملكة، فقد دعمت ترشح الرياض لاستضافة معرض إكسبو 2030.
ويتمتع البلدان بمقومات اقتصادية كبيرة بصفتهما عضوين في مجموعة العشرين، وتقدم رؤية المملكة 2030 فرصا واعدة للتعاون بين البلدين في مجالات الاستثمار، والتجارة، والسياحة، والترفيه، والتنمية، والصناعة، والتعدين، ومشاريع البناء والنقل والبنى التحتية.
وشهد التعاون في المجال الاقتصادي بين المملكة وتركيا منذ توقيع اتفاقية التعاون التجاري والاقتصادي والفني في 1973 تطورا ونموا مستمرين، وتشكلت على ضوء الاتفاقية "اللجنة السعودية - التركية المشتركة"، وهناك أيضا مجلس رجال الأعمال السعودي - التركي، الذي أسهم منذ إنشائه في تشرين الأول (أكتوبر) 2003، في الدفع بتطور العلاقات الاقتصادية بين البلدين، حيث شهدت منذ ذلك الحين تطورا سريعا وملحوظا، إذ أصبحت المملكة شريكا اقتصاديا مهما لتركيا، ومن ضمن أكبر ثمانية شركاء تجاريين لها على مستوى العالم.
وأعلنت الحكومتان العزم الأكيد على توثيق العلاقات الاقتصادية، وعقدتا مجموعة من الاتفاقيات الثنائية التي شكلت الإطار القانوني المناسب لهذه العلاقات.
وتمثل التطور في العلاقات الاقتصادية في تبادل الزيارات والمعارض، وإنشاء الشركات المشتركة، وارتفاع مستوى التبادل التجاري بين البلدين.
وبلغت صادرات المملكة إلى تركيا خلال الأعوام الثلاثة الأخيرة، إضافة إلى أيار (مايو) من العام الحالي 52.28 مليار ريال، ومن أهم السلع الوطنية المصدرة إليها في 2023، اللدائن ومصنوعاتها، والمنتجات المعدنية، والمنتجات الكيماوية العضوية، والحديد الصلب، والمعادن الثمينة والأحجار الكريمة.
فيما بلغت قيمة واردات المملكة منها، خلال الأعوام الثلاثة الأخيرة إضافة إلى مايو من العام الحالي، 16.787 مليار ريال، وكانت أهم السلع المستوردة في 2023، السجاد، والأثاث والمباني المصنعة، والآلات والأدوات الآلية وأجزائها، والتحف الفنية، والقطع الأثرية، والمصنوعات الحجرية أو الأسمنتية.
وضمن التعاون الاقتصادي بين المملكة وتركيا، قام الصندوق السعودي للتنمية بدور رائد في توفير التمويل الميسر، لعدد من مشاريع وبرامج التنمية في تركيا خلال العقود الثلاثة الأخيرة.
ويسعى البلدان إلى التعاون في مجال تشجيع الاستثمار المباشر حيث وقعا اتفاقية في هذا المجال، كما أقاما منتدى الأعمال والاستثمار التركي - السعودي في كانون الأول (ديسمبر) الماضي، بهدف إبراز فرص التعاون الواعدة للشركات التركية في المشاريع الضخمة التي ستطرحها المملكة في نطاق "رؤية 2030".
ونجحت بيئة الأعمال الجاذبة في المملكة باستقطاب 390 شركة تركية للاستثمار في السوق السعودية برأس مال إجمالي بلغ 985 مليون ريال، وتنشط الشركات التركية في قطاعات عدة أهمها، التشييد، والصناعة التحويلية، وتجارة الجملة والتجزئة والمطاعم.
ووصل عدد الشركات ذات رأس المال السعودي المستثمرة في تركيا حاليا إلى 1140 شركة متنوعة في قطاعات عدة، ويبلغ حجم الاستثمارات السعودية الموجودة في تركيا 18 مليار دولار.
ويعمل الجانبان السعودي والتركي باستمرار على تطوير وتنويع التجارة البينية، وتسهيل التبادل التجاري بين البلدين، وتذليل أي صعوبات في هذا الشأن، وتكثيف التواصل بين القطاعين العام والخاص لبحث الفرص الاستثمارية وترجمتها إلى شراكات ملموسة في شتى المجالات، حيث أقيمت في 19 آذار (مارس) 2023 في الرياض فعاليات "ملتقى الأعمال السعودي - التركي" بمشاركة أكثر من 450 شركة سعودية وتركية وعديد من الجهات الحكومية في البلدين، وشهد الملتقى توقيع ثلاث اتفاقيات تعاون تجاري بين ممثلي قطاع الأعمال السعودي والتركي في مجال توطين صناعة معدات ومستلزمات اللحام، وصناعة الشاحنات والخزانات بتقنية عالية للإسهام في احتياجات سوق النقل والمقاولات، إضافة لتأسيس مشروع سعودي - تركي مشترك في الأتمتة والهندسة.
وتوضح إحصاءات منصة المساعدات السعودية، أن المملكة قدمت إلى تركيا مساعدات مالية بقيمة 490493486 دولارا، عبر 44 مشروعا شملت قطاعات التعليم، والطاقة، والنقل والتخزين، والصحة، والمياه والإصحاح البيئي، والإيواء والمواد غير الغذائية، وفي قطاعات متعددة، وذلك منذ 1979 حتى 2023، وكان الدعم الأكبر في 2001 بمبلغ 205 ملايين دولار. كما دعمت المملكة مراكز الأبحاث هناك، وقدمت المساعدات البترولية.
وتصدرت المملكة قائمة المانحين في الاستجابة لزلزال تركيا هذا العام، حيث سيرت بتوجيه من القيادة، جسرا جويا للمساعدات الطبية والإغاثية، ونظمت حملة تبرعات شعبية، ووقعت عقود مشاريع لمصلحة متضرري الزلزال بأكثر من 48.8 مليون دولار.