Author

مؤشرات الأخطار الاجتماعية على العالم

|

عندما نقول أخطارا اجتماعية فنحن بالطبع ننسبها إلى المجتمع، أي أننا نقصد بها الأخطار التي يواجهها الناس الذين يعيشون معا ضمن إطار تنظيمي متعارف عليه. وعندما تكون الأخطار الاجتماعية المستهدفة بالحديث هي تلك القائمة على مستوى العالم، فهذا يعني أن الأخطار المطلوبة مواجهتها هي تلك التي يمكن أن تهدد معيشة الناس في مختلف المجتمعات المكونة للمجتمع الإنساني. صحيح أن هذه المجتمعات مختلفة في خصائصها ومتطلباتها ومعطياتها، لكن الصحيح أيضا هو أن هناك عوامل مشتركة كثيرة بين هذه المجتمعات، خصوصا أن التقنية مكنت الإنسان من جعل العالم قرية صغيرة تحمل صفات مشتركة بين الجميع، إلى جانب صفات خاصة تختلف باختلاف أحياء هذه القرية شمالها وجنوبها، وشرقها وغربها.
طرح المنتدى الاقتصادي الدولي WEF، في تقريره حول الأخطار على العالم، لـ2023، تسعة أخطار اجتماعية، من بين 32 خطرا، تشمل أيضا أخطارا اقتصادية، وبيئية، وجيو ـ سياسية، وتقنية. وتحدثنا في مقالات سابقة عن كل من الأخطار التقنية، والبيئية. وجاء الآن دور الأخطار الاجتماعية. صحيح أن احتمال حدوث، بل مدى تأثير، هذه المخاطر يمكن أن يختلف بين مجتمع وآخر، إلا أن باحثي المنتدى الاقتصادي الدولي آثروا التركيز على أثر جميع الأخطار في المجتمع الإنساني ككل، وعلى وضع أولويات لمدى خطورتها وضرورة مواجهتها.
سنناقش، في هذا المقال، الأخطار الاجتماعية التي طرحها تقرير المنتدى الاقتصادي الدولي. وسنبين أهمية كل منها، تبعا للأولويات التي وضعها التقرير، ليس فقط ضمن البعد الاجتماعي، بل على مستوى جميع المخاطر أيضا، وفي الإطار الزمني للأعوام العشرة المقبلة.
يتمثل الخطر الاجتماعي الأول، طبقا للتقرير، في الهجرة غير الطوعية التي يضطر إليها الناس، والقائمة فعلا على نطاق واسع في دول مختلفة. ويحتل هذا الخطر المركز الخامس بين مجمل المخاطر الـ32 المطروحة. وبالطبع هناك أسباب مختلفة تشهدها المناطق التي تنطلق منها هذه الهجرة، مثل تردي الأوضاع الاقتصادية، والبعد عن الحكم الرشيد، ومحدودية الفرص المتاحة للتطوير، ومثل الحروب الداخلية بين جهات داخل الدولة الواحدة، إضافة إلى تلك القادمة من الخارج أيضا. ولهذه الهجرة آثار كبيرة، ليس فقط في المناطق التي تنطلق منها، بل في المناطق التي تنتقل إليها أيضا. وتحمل هذه الآثار مآسي يعانيها أصحاب العلاقة، ويهتز لها ضمير العالم.
وننتقل إلى الخطر الثاني، وهو خطر الاستقطاب وإضعاف التماسك الاجتماعي، ويحتل المركز السابع بين مجمل الأخطار التي طرحها التقرير. وللاستقطاب المسبب لهذا الخطر محاور عدة تشمل نواحي عرقية وثقافية ومعرفية واقتصادية وسياسية، بل عمرية في بعض الأحيان أيضا. ويؤدي الاستقطاب إلى إضعاف التماسك الاجتماعي، ويزداد أيضا بسبب هذا الضعف. ويعطي هذا الخطر، في كثير من الأحيان، أسبابا تزيد من خطر الهجرة سابق الذكر.
ونأتي إلى الخطر الاجتماعي الثالث، والـ11 بين مجمل الأخطار، وهو خطر التضليل عبر نشر معلومات خاطئة سواء بشكل مقصود أو عن غير قصد. ولهذا الخطر وسائل كثيرة يتيحها العالم السيبراني الذي يحيط بنا، على الرغم من فوائده الجليلة التي جعلته من ضرورات الحياة الحديثة اقتصاديا واجتماعيا أيضا. لكنه مع ذلك بات ميدانا لحروب دعائية تؤثر سلبا في مختلف مناطق العالم.
يبرز الخطر الرابع، بعد ما تقدم، ليطرح مشكلة تكاليف المعيشة، ويحتل هذا الخطر المركز الـ15 بين مجمل المخاطر المطروحة. ويرتبط هذا الخطر بعدم التوازن بين ارتفاع أسعار السلع من ناحية، ومحدودية دخل الإنسان الذي يحتاج إلى هذه السلع من ناحية ثانية. ويأتي ذلك نتيجة لمشكلات اقتصادية، ليؤدي إلى معضلات اجتماعية لا تحمد عقباها.
ينقلنا الخطر الاجتماعي الخامس إلى موضوع الأمراض المزمنة والحالة الصحية، وهو الخطر الـ20 في قائمة الأخطار الـ32. ويرتبط هذا الخطر، على عكس سابقه، بالرخاء الاقتصادي، وعادات الاستهلاك الزائد غير الحميدة من ناحية، إضافة إلى الممارسات الصناعية المؤدية إلى تلوث البيئة، وسلوك الأفراد المعزز لذلك من ناحية أخرى.
يرتبط الخطر الاجتماعي السادس، الذي يأتي في المرتبة الـ23 في قائمة الأخطار، بموضوع أزمات التوظيف، وعدم توافر الأعمال بشكل كاف، سواء للمؤهلين أو الأقل تأهيلا، ويضاف إلى ذلك عدم كفاية الأجور حتى لو توافرت الوظائف، ما يسهم في زيادة خطر مشكلة تكاليف المعيشة المذكور فيما سبق.
يعود بنا الخطر الاجتماعي السابع إلى الموضوع الصحي، ويختص بموضوع تدهور الصحة العقلية، ويحتل هذا الخطر المرتبة الـ25 في قائمة الأخطار. ويتمثل هذا الخطر فيما يمكن أن يصيب الإنسان من قلق، وتوتر، وشعور بالوحدة، والاكتاب، وربما الخرف أيضا. وهذه أمور لا تتأثر فقط بالصحة الجسدية للإنسان، وإنما ببيئة الحياة من حوله، ربما بعيدا في بعض الأحيان عن تدهور الحالة الاقتصادية.
يرتبط الخطر الاجتماعي الثامن، والـ26 في مجمل الأخطار، بانهيار، أو ضعف، أو ربما غياب بنية أساسية عامة تقدم خدمات يحتاج إليها الإنسان. وتعاني هذا الخطر الدول الفقيرة، والدول التي أصابها الفشل في إدارة شؤونها، وتلك التي أنهكتها الحروب. ومثل هذه الدول أيضا تعاني، أكثر من غيرها، الخطر الاجتماعي التاسع، والـ27 في قائمة الأخطار، وهو خطر انتشار الأمراض المعدية، وتداعيات هذا الانتشار وآثاره. ولا شك أن هناك مزيدا من الأخطار الاجتماعية التي لم ترد في التقرير المطروح، وربما نبينها في مقالات مقبلة بإذن الله.
يقود النظر في الأخطار الاجتماعية التي يواجهها العالم، إلى التساؤل عن مسؤولية العمل على إيجاد الحلول الناجعة لها. هناك بالطبع، في هذه المسؤولية، الطرف المحلي الذي يشهد الخطر، لكن مسؤولية هذا الطرف وحده غير كافية، ولا بد من مسؤولية تسهم فيها أطراف العالم بأسره، خصوصا تلك التي تتمتع بالقدرات المتميزة معرفيا، واقتصاديا، واجتماعيا. فالعالم في بيئة الحياة، في هذا العصر، عالم واحد يتمتع بشراكات على نطاق واسع، ويحتاج هذه الشراكات، ليس فقط لتبادل المصالح، وإنما لمواجهة التحديات أرضا.

إنشرها