Author

وقف الإنتاج وتطوير التدوير

|

للبلاستيك دور مهم وحيوي في حياتنـا المعاصرة، وقلما تجد منتجا صناعيا يخلو مـن أحـد أنواع البلاسـتيك، إلا أن الحجم المتزايد والمتراكم مـن النفايات البلاسـتيكية ومـا تحدثه مـن ضـرر علـى الإنسان والبيئة أديا إلى اهتمام متزايد في كثير مـن دول العالم لدراسة المشـكلة.
ويعـزى الضرر الناتج مـن النفايات البلاسـتيكية إلى احتوائها على مواد بوليميريـة لا تتحلـل بفعـل العوامل الطبيعيـة، سـواء البيولوجيـة أو البيئيـة، وكـذلك احتواؤهـا علـى مواد كيميائية مضافة لغـرض تحسـين خصائصها وتقليل تكلفتها.
ويـزداد إنتاج الأنـواع المختلفـة مـن البلاسـتيك في العالم باطراد منـذ عقـود يصاحبه تطور مستمر، ويستخدم جـزء كبير منها لإنتاج السلع الاستهلاكية مـن التعبئة والتغليف والمنتجات قصيرة الأجل الأخرى، ويجـد مـا يقـرب مـن نصـف المنتجات البلاسـتيكية طريقـه كنفايـات.
فالبلاستيك بات يدخل في تركيبة كل ما يحيط بحياتنا اليومية، ونتيجة لهذا ازداد إنتاجه السنوي بأكثر من الضعف خلال 20 عاما ليصل إلى 460 مليون طن، وقد يزداد بثلاثة أضعاف بحلول 2060 إذا لم يتخذ العالم تدابير حيال ذلك، والمشكلة ليست في ضخامة هذا الرقم، بل لأن ثلثي هذا الإنتاج يرمى في النفايات بعد استخدامه مرة واحدة، بينما أقل من 10 في المائة من المخلفات البلاستيكية تخضع لإعادة التدوير.
وبهذا الوضع ينتهي الأمر بكمية ضخمة من هذه المخلفات من كل الأحجام في قاع البحار أو في الكتل الجليدية وصولا إلى قمم الجبال حتى في أحشاء الطيور، بل ما يزيد الوضع خطورة أنه تم رصد لدائن بلاستيكية دقيقة في الدم وحليب الأم، حتى في المشيمة، ولهذا طورت منظمة ميثاق التغليف الأسترالية APCO، مفهوم العبوات البلاستيكية ذات الاستخدام الواحد غير الضروري، التي تنطوي على مشكلات، وعرفتها بأنها ذات الاستخدام الواحد التي يتم التخلص منها روتينيا بعد تفريغ محتوياتها أو نفادها، وتتسم بصفات منها أنه يصعب جمعها واستعادتها لإعادة استخدامها أو إعادة تدويرها وتحويلها إلى منتجات أخرى، أو أنها تحتوي على مادة تعوق أو تعطل أو تعرقل فرص استعادتها أو تحويلها، أو هي التي تمثل نسبة كبيرة من القمامة البلاستيكية، أو أنها مصنعة بمواد كيميائية أو مواد تشكل خطرا على صحة الإنسان أو البيئة.
إن هذه المواد التي لها إحدى هذه الصفات هي مواد غير ضرورية أو تحتوي على مشكلة، وبذلك فإن أي أنواع قابلة للتدوير أو غير خطرة، تعد آمنة نوعا ما، وهذا هو المفهوم من البلاستيك غير الضروري أو الخطير. وتستأنف مفاوضات دولية في باريس من أجل الوصول لمعاهدة دولية بهذا الشأن بمشاركة 175 دولة، وتأتي هذه المفاوضات على خلفية إنشاء "لجنة تفاوض حكومية دولية" من قبل الأمم المتحدة في 2022 في نيروبي، وتعد هذه اللجنة مكلفة دوليا بوضع معاهدة "ملزمة قانونا" بحلول 2024، وليست مصادفة أن تكون هذه المفاوضات في باريس، فهي أول بلد حظر الأطباق والأكواب أحادية الاستخدام في المطاعم، وتسعى إلى إقرار حظر هذا النوع من المنتجات ذات الاستخدام الواحد بحلول 2040.
لا أحد اليوم يشك في خطورة البلاستيك الذي صنفته المنظمة الأسترالية بالاستخدام الواحد غير الضروري وينطوي على مشكلات، والعالم اليوم متفق تماما على ضرورة إيجاد حل عاجل وملزم قانونا، لكن مع ذلك، فإن حماس الدول لهذا القانون الملزم متفاوت، وكما أشار تقرير "الاقتصادية" الذي نشرته أخيرا، فلن يفضي لقاء باريس إلى معاهدة، وتقول ممثلة لمنظمة "سورف رايدر" غير الحكومية إنه لو كان هناك اتجاه لخفض الإنتاج، فلن توقع دول كبرى إطلاقا على المعاهدة. هذه المنظمة التي قادت دراسة أثبتت أن غازات الدفيئة (الميثان والإثيلين) تنبعث من هذه المواد الأكثر استخداما، وذلك بمجرد تعرضها للإشعاع الشمسي، كما أنها تستمر في إطلاق الغازات حتى في الظلام، هذه المواد تشمل أكياس البقالة، وحاويات الفواكه والأغلفة البلاستيكية المصنوعة من البولي إثيلين منخفض الكثافة.
وتؤكد الدراسة أنه إذا أخذنا في الحسبان إجمالي سطح البلاستيك المعرض للإشعاع الشمسي (في مدافن النفايات، على طول السواحل، في الحدائق والملاعب) فإن مشكلة إطلاق الميثان تتضاعف مع تضاعف كميتها الموجودة في جميع أنحاء العالم. وانتهت الدراسة إلى أن التوقف عن إنتاج البلاستيك، هو الحل الأمثل خاصة المنتجات المصنوعة من البولي إثيلين منخفض الكثافة، كما يجب حظر هذه المواد ذات الاستخدام الواحد، وترى أن المستهلكين قادرون على إيجاد طرق بديلة لتعبئة البقالة أو ملء زجاجة.
إن هذه الصورة العريضة التي تأخذ هذه المشكلة نحو مسارات أكثر تعقيدا، إذ لا يجدي رميه في النفايات ولا تدويره، لأن هذه الحلول لا تجدي شيئا، فهو يستمر في إطلاق المواد التي تزيد من حرارة الأرض والتغيرات المناخية، ولا طريق إلا من خلال حظر إنتاجه ابتداء، وليس مجرد الحد من استهلاكه، لكن لا يبدو أن هذا الحل سيكون مرضيا لعديد من الدول الآسيوية التي تؤمن أكثر من نصف الإنتاج ولا من قبل كبار المستهلكين مثل الولايات المتحدة، فهذه الدول تحرص على مفهوم إعادة التدوير ومكافحة انتشار النفايات المرمية في الطبيعة.
إذن، ستكون مفاوضات باريس في ظل هذه التصورات المختلفة مفاوضات صعبة، فهناك خلاف كبير وعميق في وجهات النظر بين التوقف تماما عن إنتاج البلاستيك وبين تطوير نماذج لإعادة تدويره، وتطبيق مفهوم الاقتصاد الدائري، وهذا الخلاف قد يعطل الوصول إلى معاهدة ملزمة في الوقت الراهن، لكن تأمل المفاوضات الوصول إلى توجهاتها الرئيسة على الأقل.

إنشرها