Author

الثروة العالمية وتأثيرها في الأسهم والعقار

|

بحسب دراسة حديثة عن نمو الثروة العالمية في العقود القليلة الماضية، فالعالم أمام تحديات غير مسبوقة سببها التسارع الكبير في الفارق بين نمو الثروة العالمية ونمو الناتج المحلي العالمي، حيث إن قائمة المركز المالي العالمية تضخمت بشكل كبير، وأن العالم الآن أمام أربعة سيناريوهات محتملة، ثلاثة منها غير مشجعة والأخير أفضل قليلا.
قائمة المركز المالي العالمية هي جرد لجميع الأصول والالتزامات العالمية، وهي لا شك تقديرية لأنه من الصعب إحصاء جميع عناصر الثروة في العالم، التي تشمل أسعار كل من العقارات والأصول المالية والأصول الحقيقية والديون لدى الأفراد والشركات والحكومات. لكن المثير في هذه الدراسة أن هناك تباينا كبيرا بين نمو الثروة مقابل النمو الاقتصادي، الذي من المفترض أن يأتي نمو الثروة متماشيا مع نسبة النمو الاقتصادي.
كان النمو في صافي الثروة العالمية يتماشى مع النمو في الناتج المحلي الإجمالي العالمي، وهذا هو الوضع الصحي والطبيعي، إلا أنه منذ 2000 تشكلت ظاهرة غريبة في زيادة نسبة نمو أسعار الأصول وأحجام الديون عن النمو الاقتصادي، وفي الوقت نفسه حدث تراجع في نمو الإنتاجية من مستويات 1.8 إلى 0.8 في المائة سنويا خلال الفترة ذاتها. فخلال الفترة من 2000 إلى 2021 حدث هناك ارتفاع في أسعار الأصول العالمية بمقدار 160 تريليون دولار، وذلك بنمو يتجاوز النمو الاقتصادي بمقدار 30 في المائة، ولا سيما أن أزمة كورونا وحدها تعد مسؤولة عن جزء كبير من التباين بين الثروة والنمو الاقتصادي بسبب الضخ المهول للسيولة في عدد كبير من الدول.
تقدم دراسة ماكينزي تحليلا للأوضاع الاقتصادية على فرض حدوث أي من أربعة احتمالات أو سيناريوهات بحلول 2030، أولها أن تعود الأمور إلى ما كانت عليه في العقدين الماضيين فيصبح النمو الاقتصادي أقل من المتوسط وهو ما شهدناه في الأعوام من 2008 إلى 2016، وبالتالي يستمر النمو الكبير للثروة على الورق مع اعتدال مستويات التضخم، ولكن ذلك سيؤدي إلى حدوث نمو سلبي في الاقتصاد الحقيقي، أي بعد إزالة آثار التضخم.
في هذا السيناريو سيكون الأداء السنوي التراكمي للأسهم 6 في المائة، وهذا أقل من الأداء التاريخي الذي يراوح بين 8 و9 في المائة، ويكون الارتفاع السنوي للعقار 3 في المائة، والسندات تحقق فقط 1 في المائة سنويا.
الاحتمال الثاني هو أن تستمر معدلات الفائدة والتضخم في الارتفاع فيحدث لدينا ارتفاع في أسعار الأصول والثروة العالمية، ولكن كقيم اسمية، أو على الورق، بيد أن النمو الحقيقي سيكون صفرا، مع استمرار التضخم بنسبة أعلى من المستهدف بنحو 2 في المائة. وفي الاحتمال الثالث هو أن تكون هناك إعادة توازن لقائمة المركز المالي، كما حدث في اليابان منذ التسعينيات الميلادية، فيكون هناك تصحيح كبير في أسعار مختلف الأصول، مع نمو اقتصادي ضعيف أقل من المتوسط بنحو 1 في المائة، وتراجع في نسبة التضخم السنوي إلى ما دون النسبة المستهدفة.
السيناريو الرابع هو أفضل السيناريوهات لكنه يتطلب رفع الإنتاجية عما هي عليه حاليا، ويتحقق ذلك إن تمت الاستفادة من التقنية الحديثة بطرق وأساليب ترفع من القدرة الإنتاجية وتخفض من التكاليف، إلى جانب انتهاج أساليب ناجحة في إيجاد استثمارات مؤثرة ومنتجة. في هذا السيناريو سيكون النمو في الثروة العالمية حقيقيا، وليس فقط نتيجة تضخم الأصول، وذلك نتيجة ارتفاع النمو الاقتصادي السنوي عن المتوسط، وحدوث ارتفاع في الاقتصاد الحقيقي بنسبة تتجاوز 1 في المائة، إلا أن ذلك يأتي مصحوبا بارتفاع في نسبة التضخم إلى 1 في المائة أعلى من النسبة المستهدفة عند 2 في المائة سنويا.
الملاحظ على هذه السيناريوهات الأربعة أن النمو التراكمي للأسهم لن يكون أفضل مما كان عليه في الأعوام الماضية، وسيبلغ 4 في المائة سنويا إن تحقق لدينا السيناريو الرابع الذي من خلاله يحدث ارتفاع كبير في الإنتاجية. ولا حتى العقار سيعود إلى النمو السابق - بحسب هذه الدراسة - لكون نمو العقار في أفضل الحالات يصل إلى 3 في المائة إن عادت الأوضاع إلى ما كانت عليه في العقدين الماضيين، وسينخفض نمو العقار إلى 1 في المائة إن تحققت أفضل السيناريوهات المطروحة!
الاستثناء الوحيد في الدراسة هو أن العائد على السندات سيكون مرتفعا في حال حدوث سيناريو ارتفاع الإنتاجية، فيصبح 5 في المائة في المتوسط، بدلا من نحو 1 في المائة للفترة الماضية، والسبب في ذلك أن عوائد السندات كانت ضعيفة في العقدين الماضيين بسبب تدني أسعار الفائدة، حيث حققت السندات عوائد سلبية كبيرة في بعض الأعوام، آخرها 2022 بعائد سلبي بلغ 18 في المائة لسندات الخزانة الأمريكية، وسالب 14.5 في المائة لسندات الشركات.

إنشرها