Author

الاستثمارات الشخصية وارتفاع الفائدة ومحاور الإزعاج

|

أعلن قبل الأمس الاحتياطي الفيدرالي خطوة إضافية في مسيرته لإدارة تحديات الاقتصاد الأمريكي برفع الفائدة بمعدل ربع نقطة، وهذا يعد الارتفاع العاشر خلال 14 شهرا. يتبع الأحداث المالية العالمية من تغييرات في الأسعار وتأثيرات الحروب كثير من الأحداث والتفاعلات الاقتصادية المؤثرة في اقتصادات الدول والظروف المحيطة بالأعمال بشكل لا يمكن تجاهله. وحتى الفرد قد يتأثر بزيادة تكاليف اقتراضه أو تغير ملامح الفرص التمويلية أو الاستثمارية التي قد يحظى بها. وفي سياقات أخرى متاخمة لهذه التفاعلات تجد نداءات في عالم التواصل الاجتماعي الجديد والتقليدي تظهر في سياق الحديث الاقتصادي المالي، لكنها لا تستند إلى منطق ملائم مثل التحذير من الوقوع في دوامة القروض و"إن استطعت، لا تأخذ قرضا في حياتك" أو "انتظر فالعقار سيمر بدورات تصحيحية أخرى" أو "تابع هذه الشركات" و"لا تفوتك الأسهم الأمريكية"، وغيرها من الرسائل المتباينة المعتادة.
أساسيات الإدارة المالية الشخصية تقوم على ضبط الفرد لثلاث مراحل، صناعة الدخل، إدارة المصاريف، والقيام بالخطوات الاستثمارية الملائمة. يتمحور الإزعاج والتركيز الخاطئ الذي يتبعه الفرد حول الظروف الاقتصادية المؤثرة في الفرص الاستثمارية. لهذا، ينشغل كثيرون بأمور مهمة على الصعيدين السياسي والاقتصادي وذات أولوية للشركات التي تود صنع قرارات استراتيجية في اختيارها أسواقها ومنتجاتها، لكن نسبة تأثيرها في فرص الفرد وقراراته المالية محدودة. نذكر دائما أن الاهتمام بهذا النوع من التفاصيل على حساب الأساسيات الأخرى في عالم الإدارة المالية الشخصية، يعد شكلا من أشكال التشتت المذموم ومدخلا للفوضى والتشويش.
كثير مما يحدث حولنا يؤثر فينا بطريقة أو أخرى، لكن طريقة اهتمامنا بهذه الأحداث تصنع معادلة الاستفادة أو الضرر منها، لربما ضخمنا من مؤثر هامشي أو قللنا من فرصة الاستفادة من حيث لا نعلم. يصنع الاهتمام الذي ننميه في ذواتنا السلوك الذي نقوم به. ولهذا ينشغل المتابع الجيد للأحداث غير المهمة على الصعيد الشخصي بأمور تقتص من جهده وقدراته على حساب أولوياته الأهم، فلا ينمي مهاراته، ولا يرفع من دخله، ولا يضبط سلوكه، وتمر الأشهر والأعوام وهو مجرد متابع جيد وربما متحدث مبهر. أما إدارته لشؤونه الخاصة وملامح النجاح المالية الحقيقية له ولأسرته فهي على الهامش وربما خارج السياق، قرارات مالية متأخرة وربما خاطئة، معدل دخل غير متنام، تتبع لكل جديد وشبكة حماية ضعيفة من تقلبات المستقبل.
إن أهم ما يجب أن يربطه الشخص بين الواقع المثير وحياته المالية الخاصة هو فهمه للدورات الاقتصادية وأن خطته يجب أن تحتوي على عناصر حماية من هذه التقلبات، وهذا لا يكون إلا بأساس قوي وخطط طويلة الأجل يتبعها انضباط سلوكي مستمر. وللوصول إلى هذا الربط يجب أن ينأى بنفسه عن محاور الإزعاج التي ستستمر في الحدوث، سواء كانت أحداثا مالية عالمية أو قصص مجالس مكررة.
قد يقول قائل إن الإكثار من الحديث لا ينفع ولا يضر، وهو من باب التعلم والفائدة، فلماذا تقلل من قيمته أو تحذر منه؟ السبب أن الجميع في أوقات الرخاء يتأثرون بهذه المؤثرات التي تعد من المشوشات على صناعة القرارات الشخصية، خصوصا إذا عرفنا أنها مؤقتة. الحصول على المعرفة لا يكون في العادة من بوابة الأحاديث الودية وإنما من التعلم والبحث الجاد. في أوقات الشدة تختلف الظروف، ويختفي المنظرون، ويبقى ويثبت من صمم خطته المنضبطة وحافظ عليها. ست نصائح ينادي بها الخبراء للعمل بها في خضم الأحداث الاقتصادية المشوشة، لا تقم بقرارات استثمارية مندفعة، لا تتبع القطيع، احذر أكثر مما تخاطر، تذكر أهدافك، قم بالبحث الجاد، واستمر في سلوكك المنضبط. كل هذه النقاط تقوم أساسا على وجود خطة شخصية من الأساس، وأخذ الحكمة من مصادرها السليمة.

إنشرها