تعثر البنوك .. الاستحواذ والإنقاذ

ليس واضحا حتى الآن، الشكل النهائي لعملية إنقاذ بنك "فيرست ريبابليك" الأمريكي، في الوقت الذي لا تزال فيه أسئلة تحوم حول إتمام نهائي لصفقة إنقاذ بنك كريدي سويس، من جانب مصرف "يو إس بي" السويسري. والحق أن السلطات المالية في كل من سويسرا والولايات المتحدة، تمكنت من احتواء أزمة مصرفية شملت بنوكا عدة قبل أسابيع عدة، إلا أن الأمر لا يزال في دائرة الخطر، خصوصا لانكشاف مصارف ومؤسسات مالية على البنوك المتعثرة. فالأزمة التي نشرت الخوف في آذار (مارس) في القطاع المصرفي العالمي، ذكرت بتلك التي ضربت العالم في 2008، وأدت إلى توليد أكبر أزمة اقتصادية عالمية في التاريخ الحديث.
ويتعرض بنك فيرست ريبابليك الأمريكي إلى مزيد من الضغوط، تجلت بوضوح في الأيام القليلة الماضية، بخسائر سوقية بلغت 22.1 مليار دولار، أو ما يقرب من 97 في المائة من إجمالي القيمة السوقية له. وهذا يعني أن المسألة ستواصل التفاعل حتى يتم العثور على جهة يمكنها أن تنقذ هذا البنك ومساهميه. مع ضرورة الإشارة إلى أن الرئيس الأمريكي جو بايدن كان قد أعلن مع بدء أزمة المصارف أنه لا يمكن تعويض المساهمين في البنوك المتعثرة، إنما أموال المودعين ستكون في مأمن ولأصحابها حرية سحبها في أي وقت. وهذا القرار هدأ من أجواء الجانب الاجتماعي للأزمة، إلا أنه صعدها من جهة الوصول إلى حلول نهائية، تضمن أيضا عدم تأثر القطاع المصرفي المحلي عموما بها.
المشكلة الكبرى في أزمة مصرف أو مؤسسة مالية تكمن في الأساس في حجم الانكشاف عليها من جهات مختلفة. فصناديق إدارة الأصول من أكبر المساهمين في "فيرست ريبابليك"، وكذلك الأمر في البنوك الأمريكية الأخرى التي واجهت التعثر في الفترة الماضية. ومؤسسة مثل "بلاك روك" العملاقة في إدارة الأصول، هي إحدى الجهات التي تملك أصولا في هذا المصرف. وهذا يعني أن جهات مرتبطة بصناديق إدارة الأصول تواجه مزيدا من المخاطر على استثماراتها، بما في ذلك الأموال التي تم استثمارها فرديا. لكن يبدو أن هناك إنقاذا آتيا في الطريق، عبر شركة "جي بي مورجان تشيس"، في حين تنتظر الساحة المصرفية الأمريكية تحديدا شكل الصفقة هذه، التي يعتقد أنها وصلت إلى مراحلها الأخيرة. وأهم ما في صفقة كهذه، أن الجهة "المنقذة" ستستحوذ على الأصول كلها بما في ذلك الودائع غير المؤمن عليها.
غير أن ذلك، لن يزيل التوتر في الساحة المصرفية المحلية والخارجية، مع بعض التوقعات "غير المسندة" بأن هناك مصارف تواجه التعثر فعلا، أو صعوبات. ما يعني أن هذه الساحة ستظل مضطربة لفترة لن تكون قصيرة. الأسئلة التي تطرح كثيرة حول مسألة تعثر المصارف بشكل عام، خصوصا فيما يتعلق بعمليات الإنقاذ. فليس من السهل العثور على جهات تقبل بالاستحواذ على مؤسسة مالية آيلة للسقوط الحتمي، وهذا يعني الحاجة إلى تدخل حكومي، يصعب في الوقت الراهن على إدارة بايدن تسويقه سياسيا، في ظل المصاعب التي يواجهها الاقتصاد بشكل عام. في حين إن هناك أصواتا متصاعدة من جانب الناخبين الأمريكيين ضد ضخ أموالهم كدافعي ضرائب، في مصارف فشلت بفعل إدارات سيئة.
وفي كل الأحوال ستبقى الاضطرابات التي خلفتها موجة تعثر البنوك في كل من الولايات المتحدة وسويسرا على الساحة ذات أثر عميق، حتى يتم حسم مسائل الاستحواذ والإنقاذ تماما. فلا يزال المشهد ضبابيا، ويلقي بظلاله على النشاط العام في القطاع المصرفي ككل.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي