رفع الفائدة .. لا خيار آخر
يبدو واضحا أنه لا خيار أمام البنوك المركزية في العالم الغربي عموما، سوى مواصلة رفع الفائدة في "حملتها" ضد التضخم الذي بلغ مستويات تاريخية في الأشهر القليلة الماضية. وارتفاع أسعار المستهلكين بات الهم الأول بالنسبة إلى المشرعين في الاقتصادات المتقدمة، حيث ضغط على الأسر بأشكال مؤلمة في بعض الساحات، كما ضغط على الحكومات من الناحيتين الشعبية والاقتصادية.
ومع توقف برامج الدعم التي تم إطلاقها لمواجهة تداعيات جائحة كورونا، زادت الأعباء أكثر في الساحة الغربية من الناحية الاجتماعية. ففي بريطانيا "مثلا" لا يمر أسبوع إلا وتندلع إضراب في هذا القطاع أو ذاك، حتى وصلت الإضرابات إلى خدمات الإطفاء والطوارئ والمدرسين والأطباء وغير ذلك من ساحات اجتماعية حيوية. وكل هذا بسبب ارتفاع تكاليف العيش، تحت ضغط التضخم الذي بلغ في هذا البلد أكثر من 10 في المائة.
اليوم يدخل صندوق النقد الدولي على الخط، ويطالب الاتحاد الأوروبي بعدم التوقف عن رفع الفائدة، من أجل قتل ما أسمته المؤسسة الدولية "وحش التضخم". وهذا "الوحش" ما زال يسيطر على الساحة، على الرغم من أنه تراجع الشهر الماضي إلى 6.9 في المائة من 8.5 في المائة في شباط (فبراير)، وفق وكالة "يوروستات" الأوروبية.
كان المسؤولون في الاتحاد الأوروبي وعلى رأسهم رئيسة البنك المركزي من أكثر المتشددين حيال رفع الفائدة، قبل أن تضطر بالطبع بعد ذلك لتدخل ضمن سياق مسارات البنوك المركزية في الاقتصادات المتقدمة. فهي "كغيرها من المشرعين" تريد أن يكون الاقتصاد أكثر حراكا من خلال فائدة منخفضة جدا حتى أنها وصلت في فترة إلى المستوى الصفري. وسياسة التيسير النقدي كانت تضمن حراكا يولد نموا تحتاج إليه المنطقة الأوروبية.
ويعتقد صندوق النقد، أنه يتوجب على الاتحاد الأوروبي مواصلة عمليات الرفع الفصلية للفائدة في المرحلة المقبلة. ومستوى تكاليف الاقتراض حاليا تصل في منطقة اليورو إلى 3.75 في المائة، وهي الأعلى على الإطلاق منذ 2008. ومن الواضح أن ذلك وإن انعكس بعض الشيء على التضخم وحقق تراجعا، إلا أن مستويات أسعار المستهلكين لا تزال مرتفعة. الخوف من تراخي سياسة زيادة الفائدة، يأتي من إمكانية بقاء التضخم مسيطرا على الساحة الاقتصادية والاجتماعية لفترات طويلة، وهذا ما سيمنع بالتأكيد النمو من الظهور في الميدان بالمستوى الذي تتمناه حكومات منطقة اليورو خصوصا. والأمر لا ينحصر هنا في دول هذه المنطقة، بل يشمل اقتصادات الاتحاد الأوروبي خارجها، وهي مطالبة أيضا بالإبقاء على وتيرة رفع الفائدة في المرحلة المقبلة.
والواضح تماما، أنه لا توجد أدوات أخرى لكبح جماح التضخم إلا اللجوء إلى الفائدة. فالولايات المتحدة ماضية في هذا المنهج، على الرغم من أنها حققت خطوات جيدة على صعيد خفض مستويات أشعار المستهلكين. كل هذا، أسهم بالطبع في تباطؤ النمو العالمي، على الرغم من أن الصين ستحقق نموا يصل إلى 5 في المائة هذا العالم، إلا أن ذلك لن يعيد النمو إلى ما كان عليه قبل جائحة كورونا والارتفاعات الفلكية للتضخم.
الفائدة المرتفعة لا تضرب النمو فقط، بل تنشر الاضطراب والاهتزاز في أوساط القطاع المالي وتقلباته، مع ارتفاع تكلفة الاقتراض، إلا أنه لا مفر من هذه الخطوة، حتى وإن شهد العالم أخيرا أزمة مصرفية متواضعة لكنها خطيرة في كل من الولايات المتحدة وسويسرا. لا بد أن تستمر عمليات رفع الفائدة حتى منتصف العام المقبل على الأقل، بحسب صندوق النقد الدولي، لكن يصعب الوصول إلى مستوى التضخم المستهدف عند 2 في المائة.