لغز إخفاق بعض الشركات المساهمة
تتمتع المملكة بمناخ استثماري جذاب في عديد من المجالات، ومجال العقار هو أكثر المجالات التي أثرى منها كثير من الناس في المملكة، وكان العقار هو أساس بداية الثراء لأكثر الأثرياء في الوقت الحاضر، والمصدر الرئيس لثرواتهم. وهذا ليس غريبا، لأن العقار هو من أكثر القطاعات أمانا، وأقلها متطلبات أو مؤهلات! ليس هذا في المملكة فحسب، لكن في معظم دول العالم.
هناك أفراد وشركات خاصة حققت أرباحا هائلة، وأسهمت بشكل كبير في زيادة المعروض من المنتجات السكنية على اختلاف أنواعها، وتوسعت في السوق لدرجة تثير الإعجاب، فلا يكاد يخلو حي من الأحياء من استثمارات هذه الشركات في الرياض وغيرها من المدن الأخرى. ونتيجة للعائد الكبير، تحول بعض صغار المستثمرين إلى مطورين عقاريين كبار خلال أعوام قليلة.
وعلى العكس من ذلك، لم تكن كذلك بعض الشركات المساهمة التي تمتلك المال، والخبرة، والتسهيلات، والدعم. هذه الشركات التي منحت الثقة كبدت صغار المستثمرين خسائر كبيرة، وبعضهم لا يزال متعلقا بها لأعوام، على أمل استعادة رؤوس أموالهم! من هذه الشركات، شركة جبل عمر، التي تقع استثماراتها في أطهر بقاع الأرض، لكن حققت خسائر تتجاوز 350 مليون ريال في 2022 وحده، ومقابل ذلك حصل رئيس مجلس إدارتها وأربعة من التنفيذيين على مكافآت تصل إلى نحو ثمانية ملايين ريال. ويتفاوت أداء شركة دار الأركان ما بين ربح طفيف وخسارة ليست طفيفة، على الرغم من أنها بدأت أنشطتها في الرياض التي تضاعفت فيها أسعار العقار مرات عديدة لا تقل عن خمس مرات خلال العقد الماضي فقط! وكذلك الشركة العقارية السعودية التي بدأت استثماراتها في أسواق العقارية قبل خمسة عقود، ثم هدأت ردحا من الزمن، ولا تزال لا تحقق أداء مبهرا يتناسب مع وضعها. والاستغراب يأتي لأنها قديمة وتقع في مدينة العاصمة الكبرى التي تستقطب المستثمرين من الكويت والإمارات العربية للاستثمار في العقار وإنشاء الأسواق "المولات"!
وللوصول إلى حل لغز الإخفاق، لنبدأ أولا بالمناخ الاستثماري، هل هذه الشركات تعاني ضعف المناخ الاستثماري في مناطق عملها؟ الإجابة، لا وألف لا. فالفرص الاستثمارية على مدى الأعوام الماضية مزدهرة، بل إن الدولة كانت ولا تزال تحفز شركات التطوير العقاري، وتحاول دعمها للإسهام في زيادة العروض من المنتجات العقارية. ثانيا، هل هذه الشركات تعاني صعوبة في الحصول على التسهيلات البنكية؟ الإجابة، لا، فالبنوك في أعوام مضت تطرق الأبواب لمنح القروض بمعدلات فائدة منخفضة جدا. ثالثا، هل المؤسسات الحكومية وأمانات المدن تشح على هذه الشركات بالتسهيلات والمنح؟ الإجابة لا، فالأمانات والمؤسسات الحكومية داعمة لهذه الشركات على مدى العقود الماضية.
وأخيرا، هل قامت هذه الشركات بإعادة هيكلتها وتغيير أعضاء مجالس إداراتها؟ الإجابة، هناك تغييرات شكلية، وليست جذرية! ويزداد الأمر غرابة أن أعضاء مجالس إداراتها يحصلون على مكافآت كبيرة، ما يثير تساؤلات حول مبرراتها. ويزداد الاستغراب في حال شركات تعمل في مجالات استثمارية جذابة جدا، مثل: شركة بترو رابغ، شركة كيان السعودية، الشركة الدوائية، شركة الأسماك، وشركة سيرا التي أصبحت مضرب المثل في ارتفاع مكافآت إدارتها مقارنة بخسائرها، وأخيرا مجموعة الحكير التي قصتها تطول!
المحصلة النهائية، المشكلة كبيرة وتستدعي التدخل الجراحي العاجل، لعل مبضع الجراح يبدأ بالإدارة التنفيذية ومجالس الإدارات الموقرة ليحافظ على ما تبقى من أموال المستثمرين، في حين يبقى السؤال: هل سيفيد "الكي" للشركات التي أصبحت خسائرها المتراكمة أكبر من رأسمالها؟
أخيرا، ربما يفسر استمرار إخفاق بعض الشركات أعواما طويلة، بأنه دلالة على وجود بعض القصور في أنظمة الشركات المساهمة أو تراخ في التطبيق، وعدم شفافية ودقة في المراجعة المالية.