Author

دروس اقتصادية نبوية

|
كبير الاقتصاديين في وزارة المالية سابقا

في قصص الأنبياء عليهم السلام حكم ودروس.
اخترت في هذا المقال قصصا ذات جوانب اقتصادية لثلاثة أنبياء هم: يوسف وموسى وشعيب عليهم السلام. نصيحة يوسف لملك مصر لمواجهة توقع قوي لضعف اقتصادي لأعوام عدة بعد طفرة، أن عليهم حسن التخطيط، وعموده الادخار في أعوام النمو الاقتصادي.
أما قصة موسى مع الخضر فهي من روائع القصص في أهمية العلم وحسن التخطيط وتحمل الضرر الأصغر مقابل تفادي الضرر الأكبر.
وأما قصة شعيب مع قومه فمصدر قوي في أهمية الأمانة ومكافحة أشكال الغش.
لنبدأ بقصة يوسف.
قال سبحانه "وقال الملك إني أرى سبع بقرات سمان يأكلهن سبع عجاف وسبع سنبلات خضر وأخر يابسات يا أيها الملأ أفتوني في رؤياي إن كنتم للرؤيا تعبرون * قالوا أضغاث أحلام وما نحن بتأويل الأحلام بعالمين * وقال الذي نجا منهما وادكر بعد أمة أنا أنبئكم بتأويله فأرسلون * يوسف أيها الصديق أفتنا في سبع بقرات سمان يأكلهن سبع عجاف وسبع سنبلات خضر وأخر يابسات لعلي أرجع إلى الناس لعلهم يعلمون * قال تزرعون سبع سنين دأبا فما حصدتم فذروه في سنبله إلا قليلا مما تأكلون * ثم يأتي من بعد ذلك سبع شداد يأكلن ما قدمتم لهن إلا قليلا مما تحصنون * ثم يأتي من بعد ذلك عام فيه يغاث الناس وفيه يعصرون". سورة يوسف الآيات من 43 إلى 49.
تحل بمصر أعوام طفرة بعدها أعوام ضعف متوقعة. والخطة المطروحة من يوسف لمواجهة هذا الوضع أن عليهم التخطيط من أعوام الرخاء بتقليل الاستهلاك وتخزين جزء كبير من الإنتاج، تحسبا لأعوام الضيق المتوقع.
حسب ما نرى في البشر، من المتوقع ألا يقتنع معظم الناس بهذا النوع من التفكير والتطبيق في أعوام الازدهار، لما تجلبه من نتائج غير مرغوبة كالغلاء بسبب تقليل العرض نتيجة الادخار. لكنه سلوك تنبغي مجاهدته. وكان ذلك أحد أسباب ازدهار اقتصاد مجتمعات ودول حديثا، وعلى رأسها الصين.
ذلك أن كل سياسة لها آثار حسنة وآثار غير حسنة، وهناك من يستفيد منها ومن يتضرر منها. والعبرة بالأصلح الصافي. طبيعة الحياة والنعم لا تدوم وقد خلق الله للموارد حدودا، لكن رغبات الناس ليس لها حدود.
وتطبيقا على المستوى الاقتصادي الكلي في وقتنا، نعرف مرور الدول بدورات وأزمات اقتصادية. وتوفير مستويات كريمة من العيش صعب استمرارها، دون اتخاذ سياسات لها ثمن. والدرس أن على الجميع التضحية وتغيير السلوك، بهدف الموازنة وتحقيق انضباط واقتصاد أفضل.
أما قصة موسى مع الخضر فخلاصتها تحمل الضرر الأصغر مقابل تفادي الضرر الأكبر.
هذه القصة من روائع القصص الواردة في كتاب الله وفي صحيح السنة المطهرة. ونستفيد منها في الجانب الاقتصادي بصورة غير مباشرة.
قال سبحانه "فانطلقا حتى إذا ركبا في السفينة خرقها قال أخرقتها لتغرق أهلها لقد جئت شيئا إمرا". سورة الكهف الآية: 71. لكن الخضر فعل ضررا تفاديا لضرر متوقع أكبر وهو مصادرة السفينة. والخضر متمكن علميا فاهم جيدا لعمله تخطيطا وتنفيذا وعارف بالظروف المحيطة. وهو ذو أمانة.
وأجدها هنا فرصة للتعليق على انتقادات توجه من البعض لنصائح صندوق النقد الدولي تجاه إصلاح مشكلات اقتصادية في دول.
مع معرفتنا أن الصندوق ليس معصوما عن الخطأ، لكن المشكلة لا يصلح حصرها بنصائحه. فغالبا جوهر المشكلات يكمن في وجود صعوبات اقتصادية في الدول طالبة النصح وتخفيف أو حل هذه الصعوبات يتطلب تضحيات. ويتطلب أيضا آراء نزيهة علمية، وعدالة في النظر من الجوانب كافة.
وأخيرا قصة النبي شعيب ومكافحة التلاعب والغش.
قال سبحانه: "وإلى مدين أخاهم شعيبا قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره قد جاءتكم بينة من ربكم فأوفوا الكيل والميزان ولا تبخسوا الناس أشياءهم" الآية 85 من سورة الأعراف.
تمتلئ قصة سيدنا شعيب مع أهل مدين بعديد من الدروس الاقتصادية. وأهم درس هو وجود ميل من البعض إلى ممارسة أنواع من استغلال الآخرين. وهذا يتطلب وجود ضبط لمكافحة أشكال الاستغلال. طبيعة النشاط الاقتصادي قائمة على مقاييس كمية بين طرفي التعامل. وهذا يوجب ضبط الحقوق والتعاملات المادية بين الناس كميا. ذلك أن العدل أساس.
وجاء التأكيد على تحريم أشكال استغلالية في قوله تعالى "ويل للمطففين" سورة المطففين. عندما هاجر الرسول -صلى الله عليه وسلم- إلى المدينة كان التطفيف منتشرا، فجاء النهي القوي عن هذا السلوك.
التطفيف يتخذ أشكالا في الإنتاج أو البيع أو تقديم الخدمة. ويتغير ويتطور مع تغير وتطورات الاقتصادات وأساليب الإنتاج والبيع. من التطفيف ممارسات تعد غشا، كبيع ما هو غير صالح للاستعمال أو الاستهلاك، أو منتهية صلاحيته، أو ظهرت عليه مظاهر تلف أو فساد.
تولي الدولة اهتماما قويا في مكافحة أشكال الغش والتلاعب عبر أجهزة كبيرة. هناك نظام لمكافحة الغش التجاري. والمقصود حسب موقع وزارة التجارة حيازة أو عرض أو بيع منتج مغشوش بقصد المتاجرة، أو تصنيع منتج مخالف للمواصفات والمقاييس المعتمدة، أو استعمال آنية، أو أوعية، أو أغلفة، أو عبوات، أو ملصقات مخالفة للمواصفات والمقاييس المعتمدة. وطبعا يفهم مما سبق أنه لا معنى لاتباع الهوى بفهم الحرية في ممارسة الأنشطة الاقتصادية، أنه دون تدخل وضبط مدروس يراعي -بنزاهة وعدالة وتمكن علمي- الجانبين المحاسن والعيوب. وكان هذا أهم سبب فيما نراه من معاناة العالم أزمات اقتصادية مالية. هوى يراعي جوانب ويتجاهل أو يقلل من أهمية جوانب محتملة الحدوث معاكسة التأثير. وفي هذا كتب كثير من الخبراء الاقتصاديين أذكر منهم مارتن وولف في مقاله المنشور في هذه الصحيفة الجمعة الماضي أي بتاريخ 31 آذار (مارس) بعنوان "الأزمة المصرفية.. السياسة النقدية ليست المذنب الوحيد".

إنشرها