Author

هل لدى الجامعات التنافسية اللازمة؟

|

سبق أن كتبت مقالا حول إعلان "جوجل" طرح برامج تعليمية تعادل الشهادة الجامعية، وها أنا ذا أتناول الموضوع من زوايا أخرى لم يتطرق إليها المقال السابق، وبمسمى شهادة مهنية، إلا أنها تختصر الوقت إلى ستة أشهر دراسية، بدل ما هو سائر الآن في الجامعات أربعة أعوام، أو أكثر، البرنامج لم يتم إطلاقه، ولم تتم تجربته، لذا لا يمكن الحكم على الموضوع بالإيجاب أو السلب، وكما تقول القاعدة الفقهية الحكم على الشيء جزء من تصوره، والتصور في هذه الحالة يعني الإلمام بالموضوع من خلال بيانات واقعية تكشف الخطة الدراسية، وآلية الدراسة، إن كانت ذاتية، أم بأساتذة يعلمون عن بعد، وعندها يمكن الحكم بجدوى الفكرة، ولو من الناحية النظرية.
أي شيء في بدايته قد تختلف حوله الآراء، إلا أنه مع الوقت يألفه الناس، ويعتادون عليه، خاصة إذا تبين لهم تحقق الفائدة المرجوة منه، وحيث إن البرنامج المزمع طرحه برنامج تعليمي لذا يلزم الأخذ في الحسبان اكتساب المعارف، والحقائق، والنظريات ذات العلاقة بالتخصص المطروح، وبالشكل الذي يتناسب مع المعرفة العالمية في المجال، خاصة أن تسارع التراكم المعرفي في هذا الزمن لا حدود له، وأخذا في الحسبان لما حققته شركة جوجل في جمع كثير من المعارف في كثير من المجالات، لا يمكن استبعاد أن تكون القاعدة النظرية جيدة إلى حد كبير لدى المتعلم، ولن تكون هشاشة معرفية.
العنصر الثاني المهم في العملية التعليمية اكتساب المهارات سواء في العلوم الطبيعية أو الإنسانية إن كان البرنامج سيقدم الجميع، وفي هذا تظهر إشكالية آلية التدريب على الأجهزة مع إمكانية ذلك باستخدام أسلوب المحاكاة على أن يؤخذ في الحسبان أن المحاكاة لا تمثل الواقع والحياة بصورتها الطبيعية.
الخبر يقول إن البرنامج يعادل الشهادة الجامعية أي أن المعارف والتدريب الذي تقدمه الجامعة خلال أربعة أعوام أو أكثر سيقدم خلال ستة أشهر، وهذا بحد ذاته يثير السؤال تلو السؤال، إذ كيف يمكن اختصار ما يقدم خلال أربعة أعوام ليتم خلال ستة أشهر، إذا افترضنا أن المخرجات من البرنامج ستكون بمستوى خريج الجامعة نفسه، فطالب الطب كيف سيتسنى له التعامل مع الحالات المرضية، والتشخيص الدقيق، ومن ثم العلاج، وهذا ينطبق على طالب العلوم الإنسانية والاجتماعية، فكيف يتعامل بصورة واقعية مع الحالات، فالسلوك البشري معقد، ويتطلب الملاحظة الدقيقة لجوانب عدة لدى الحالة، ولا يمكن الاعتماد على حالة متخيلة أو مصطنعة، كالروبوت مثلا، وكما يقول المثل "الميدان يا حميدان"، فالمعرفة، والمهارة التخصصية تظهران في الميدان الحقيقي.
من التساؤلات بشأن فكرة البرنامج، ما مدى الثقة التي ستكون لدى الدارسين، وسوق العمل، وكذلك المجتمع الذي قد يأخذ بهذا التوجه مستقبلا؟ المتطلعون إلى نيل الشهادة لمجرد الشهادة ربما يغريهم البرنامج، خاصة إذا كانت تكلفته معقولة، ووفق إمكانية الفرد. ولعلي أشير في هذا الصدد إلى شخص جمعتني به لجنة مشتركة، وفي أحد الأيام فاجأني بحصوله على درجة الدكتوراه خلال ثلاثة أشهر عبر خدمة التواصل الشبكي، لندخل في نقاش حول الهدف، والشعور الحقيقي بالإنجاز من عدمه، وقد أكد عدم شعوره بالفرحة. أما إن كانت عالية، وتفوق، أو تساوي تكلفة الدراسة في الجامعة، فهذا ربما يعيق نجاح البرنامج، مع أني أتوقع أن "جوجل" درست جدوى البرنامج، إما بأخذ آراء الخبراء، وإما من خلال استقصاء الرأي للشرائح المستهدفة.
سوق العمل توجه انتقادات قوية للجامعات، وتشتكي من ضعف في المخرجات، وعليه، يحق التساؤل بشأن مدى مناسبة مخرجات برنامج جوجل المهني الذي ينفذ خلال ستة أشهر، فهل لدى "جوجل" معجزة تمكنها من التفوق على الجامعات بتخريج كفاءات تحقق طموحات سوق العمل، أم أن البرنامج تجاري يراد منه مزيد من التكسب، خاصة أن هناك الملايين من العاطلين الباحثين عن فرص تمكنهم من العيش الكريم.
رؤية المجتمع بشأن البرنامج ينطبق عليها ما ينطبق على رؤيته نحو أي برنامج تقدمه الجامعات على حسب مستوى البرنامج وسمعته، لذا نجد أولياء الأمور يحرصون على إلحاق أبنائهم بالجامعات المرموقة لتأهيلهم بشكل جيد لضمان الوظيفة، إضافة إلى الجانب المعنوي الذي يحققه الطالب وأسرته، ولذا نجد في كل وطن تصنيفا للجامعات من حيث سمعتها، كما أن هناك سمعة ممتازة وأخرى أقل على مستوى العالم. سؤال أخير: هل ستجد الجامعات نفسها في تنافس قوي، إن لم يكن شرسا، مع "جوجل"، وهل لديها العدة والعتاد اللازمان لدخول المنافسة، ومن ستكون له الغلبة في زمن شعاره التنافس الحاد بين الدول والمؤسسات والشركات؟

إنشرها