هل نحن مقدمون على أزمة مالية جديدة؟ «2 من 3»

نجد أنفسنا فجأة وسط أزمة مالية جديدة، مع تردد صدى إخفاقات البنوك الأخيرة في مختلف أنحاء العالم. فكما حدث في 2008، تجد السلطات الوطنية في الولايات المتحدة، وأوروبا، وأماكن أخرى نفسها في وضع حيث لا تتوافر أي اختيارات جيدة. وتتمثل المرحلة الأولى من مثل هذه الأزمات في تهافت المودعين على بنوك ميزانياتها العمومية ضعيفة لاسترداد ودائعهم، وهذا يعني خسائر كبيرة محتملة نسبة إلى مستويات رأس المال من الأسهم. في حالة بنك سيليكون فالي، دفعت هذه المخاوف أصحاب الودائع غير المؤمنة إلى التسابق للمخارج بسرعة غير مسبوقة، في محاولة يائسة للخروج قبل الانهيار المحتمل. جاءت الضغوط اللاحقة على بنك كريدي سويس من جانب دائنيه غير المضمونين في عموم الأمر، لكن المخاوف متماثلة بدرجة لافتة للنظر.
ستتوالى فصول المرحلة التالية من الأزمة في أوروبا، حيث ستظهـر سلطات منطقة اليورو إلى أي مدى قد تدعم البنوك التي تواجه فقدان الثقة من جانب السوق. الواقع أن الإشارات اليوم -بما في ذلك تصريحات على لسان هيئات تنظيمية تنتقد ما فعلته الولايات المتحدة لمصلحة المودعين غير الـمـؤمن عليهم في بنك سيليكون فالي، وزيادة أسعار الفائدة بمقدار 50 نقطة أساس من جانب البنك المركزي الأوروبي- تعطينا بعض أسباب القلق.
ستركز المرحلة الثانية من الأزمة على المخاوف بشأن جودة الائتمان مع زيادة أسعار الفائدة. لكن خطوط الصدع الدقيقة لم تتضح بعد، ولا يزال في الوقت متسع لاستباق العدوى.
من جانبها، اتخذت الولايات المتحدة خطوات حاسمة بشأن بنك سيليكون فالي وسيجنتشر بنك Signature Bank. فقد فتح بنك الاحتياطي الفيدرالي تسهيلات ائتمانية سخية، ومن شأن تمديد جيد التصميم للتأمين على الودائع "مع أقساط يدفعها كبار المودعين" أن يساعد بشكل كبير. وسيكون لزاما على منطقة اليورو في النهاية أن تتخذ تدابير مماثلة. لكن كم من الوقت قد يستغرق هذا؟ وما أخطاء السياسات التي سنقع فيها على طول الطريق؟
عادة ما تظهر علامة تحذير واضحة قبل كل أزمة مالية. كانت تدفقات رأس المال إلى الخارج نذيرا باندلاع الأزمة المالية الآسيوية في أواخر تسعينيات القرن الـ20. سبق انهيار فقاعة الإنترنت dot-com crash عام 2000 موجة من المضاربة على الأسهم المرتبطة بالإنترنت. وانفجرت فقاعة الرهن العقاري الثانوي قبل اندلاع أزمة 2008 المالية العالمية. تـرى، هل يشير فشل بنك سيليكون فالي المذهل إلى اندلاع أزمة أخرى؟
لن نجد أزمتين متطابقتين. لكن كل الأزمات تعكس حتما التفاعل بين الجشع والخوف والأخطاء السياسية. هذه هي الحال اليوم أيضا. لا أحد قد يشكك في جشع مؤسسة مالية كبرى لا ترغب حتى في تقبل مخاطر خروج الاحتياطي الفيدرالي المتأخر من سياسة أسعار الفائدة القريبة من الصـفر. ومن المؤكد أن بنك سيليكون فالي ليس وحده في ارتكاب هذا الخطأ. فقد بدأت علامات انتشار الأضرار الجانبية تتضح بالفعل - ليس فقط بين المؤسسات المحلية مثل Signature Bank وFirst Republic Bank، بل أيضا على الساحة الدولية "على سبيل المثال، بنك كريدي سويس". وكما هو معتاد في الأزمات الكبرى، تبين أن اختراق جدران الحماية أسهل مما كنا نتصور، وأنها عاجزة عن منع انتشار العدوى.
لكن الأمر اليوم ينطوي على خطر جديد ومهم لم يكن واضحا في الأزمات السابقة: تفشي التضخم على نحو بالغ الخطورة. منذ أواخر تسعينيات القرن الـ20، كانت الأزمات المالية تحدث أثناء فترات ممتدة من الانكماش الحاد: بلغ متوسط التضخم القائم على مؤشر أسعار المستهلك 2.1 في المائة فقط خلال الفترة من 1997 إلى 2020. وقد أتاح هذا للبنوك المركزية التي تستهدف التضخم مجالا واسعا للاستجابة للأزمات من خلال فتح صنابير السيولة لديها وخفض أسعار الفائدة إلى الصـفر. لكن الظروف مختلفة تماما اليوم: فالتضخم مستمر بعناد وأعلى كثيرا من المستوى المستهدف، ولا تزال أسعار الفائدة الرسمية أقل من أن تتمكن من معالجة هذه المشكلة... يتبع.
خاص بـ «الاقتصادية»
بروجيكت سنديكيت، 2023.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي