معا لبناء اقتصاد بيانات أفضل «3 من 3»
السؤال هنا كيف يمكن أن تصبح البيانات أقرب في طبيعتها إلى السلع العامة؟ ينبغي موازنة المصالح التجارية وحوافز الابتكار مقابل الحاجة إلى كسب ثقة الجمهور من خلال حماية الخصوصية والنزاهة. ويمكن كخطوة أولى توضيح القواعد المنظمة لاقتصاد البيانات. فعلى سبيل المثال، أمكن تحقيق تطورات هائلة بفضل تنفيذ النظام العام لحماية البيانات في 2018 في أوروبا، الذي ألقى الضوء على عدد من الحقوق والالتزامات المنظمة لاقتصاد البيانات ويحق للمقيمين في الاتحاد الأوروبي حاليا الاطلاع على بياناتهم والتحكم في كيفية معالجتها، ويجري إنفاذ هذه الحقوق في الوقت الحالي من خلال تشديد الغرامات المفروضة على المخالفين.
لكن حتى مع بدء الباحثين بالفعل في استشعار أثر النظام العام لحماية البيانات في اقتصاد البيانات، لا تزال توجد مخاوف بشأن كيفية إنفاذ هذه الحقوق دون أن يتحول الأمر إلى مجرد وضع علامة في مربع صغير.
وينبغي أن تكون للفرد سلطة أكبر على بياناته الشخصية. ويمكن النظر في إنشاء مرفق عام للبيانات ـ كامتداد للسجلات الائتمانية ـ للموازنة بين الاحتياجات العامة وحقوق الأفراد، فلنتخيل وجود هيئة مستقلة منوطة بجمع فئات معينة من البيانات الشخصية مع إخفاء هوية أصحابها وإتاحتها لأغراض التحليل بناء على موافقة الأطراف المعنية. ويمكن أن تتضمن الاستخدامات تتبع المخالطين لمكافحة الجوائح، ووضع تنبؤات اقتصادية كلية أكثر دقة ومكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب.
ويمكن للسياسات مساعدة المستهلكين أيضا على تجنب الوقوع رهينة النظم الاقتصادية الفردية، ما يعزز بالتالي الانفتاح السوقي والتنافسية. ويتضمن قانون الأسواق الرقمية وقانون الخدمات الرقمية، اللذان اقترحهما الاتحاد الأوروبي في أواخر 2020 سمات جديدة كثيرة تتضمن إلزام الشركات التكنولوجية الكبرى "حراس البوابة" ـ بما في ذلك وسائل التواصل الاجتماعي والأسواق عبر الإنترنت ـ بتبادل البيانات مع الغير في حالات معينة والتسهيل على مستخدميها لنقل بياناتهم إلى منصات مختلفة.
وللسياسات دور أيضا في حماية البيانات من الهجمات السيبرانية. فالشركات الفردية لا تأخذ في اعتبارها أثر تراجع مستويات الثقة بالنظام ككل في حالة حرق بيانات عملائها، وقد يكون حجم استثماراتها في الأمن السيبراني أقل بالتالي مما تتطلبه اعتبارات المصلحة العامة. وهذا الشاغل ذو صدى خاص في النظام المالي حيث تولى أهمية بالغة للحفاظ على ثقة الجمهور. لذلك تمثل سلامة البنية التحتية ومعايير الأمن السيبراني والنظم ركائز أساسية في سياسات الصيرفة المفتوحة التي أقرتها دول كثيرة لتسهيل تبادل البيانات المالية الحساسة.
تعكف دول عديدة في الوقت الحالي على وضع سياسات لإيجاد اقتصاد بيانات أكثر وضوحا وعدالة وديناميكية، وإن كان كل منها ينتهج منهجا مختلفا، ما قد يؤدي إلى زيادة تفتت الاقتصاد الرقمي العالمي. وتنشأ هذه المخاطر في عديد من القطاعات كثيفة الاعتماد على البيانات بدءا من نشاط التجارة في السلع حتى التدفقات المالية عبر الحدود. وفي ظل الجائحة، يزيد اختلاف معايير حماية الخصوصية من صعوبة التعاون في مجالات البحث الطبي الضرورية عبر الحدود ـ وهو ما حدث قبل الجائحة أيضا ـ بسبب صعوبة تبادل نتائج التجارب الطبية الحيوية.
ودائما ما يشكل التنسيق العالمي تحديا، ولا سيما في مجال بحجم تعقيد سياسات البيانات، حيث تتقاطع مجموعة كبيرة من الاهتمامات والهيئات التنظيمية سواء داخل البلد الواحد أو عبر الحدود. وقد أتاح التعامل مع تداعيات الجائحة فرصة جديدة لطرح أسئلة صعبة حول الحاجة إلى مبادئ عالمية دنيا مشتركة لتنظيم تبادل البيانات دوليا مع حماية حقوق الأفراد واعتبارات الأمن الوطني.
وتمنحنا اللحظة الراهنة فرصة لاستكشاف الحلول التكنولوجية المبتكرة أيضا. ولنتصور الدفعة التي يمكن إعطاؤها لتيسير تعافي قطاع السفر الدولي من خلال استخدام سجل عالمي ببيانات الأفراد الذين حصلوا على اللقاح. وقد يستفيد هذا السجل من نظام البطاقات الصحية الدولية الورقي التقليدي، لكنه سيتطلب وضع المعايير، وإنشاء نظام لإدارة البيانات لأغراض الإبلاغ بعدد الحاصلين على اللقاح والتشاور بشأن وضعهم ـ مع إمكانية ربط هذه البيانات بالهوية الرقمية ـ وإبرام اتفاقيات حول حماية خصوصية الأفراد، وفرض قيود على تبادل البيانات للأغراض الأخرى.
وهناك حاجة ملحة تدعو إلى ضرورة التعاون الدولي لضمان أن المزايا المتأتية من اقتصاد البيانات العالمي بإمكانها أن تبني مجتمعا عالميا أكثر صلابة وصحة وعدالة، لكي نجد سبيلا إلى المضي قدما معا، من الممكن أن تكون البداية هي طرح الأسئلة الصحيحة.