Author

أوروبا تقاوم .. هل تتجنب الركود؟

|

كما كان متوقعا أقدم البنك المركزي الأوروبي على رفع الفائدة للمرة السادسة على التوالي، في سياق تحركه الذي لا يهدأ لكبح جماح التضخم في منطقة اليورو، وضمن نطاق الاتحاد الأوروبي بصورة عامة. والمثير في مسألة الفائدة الأوروبية أن رئيسة "المركزي الأوروبي" كانت تتصدر قائمة المشرعين المنادين بالحفاظ على سياسة التيسير النقدي، أي أن تبقى الفائدة في حدودها الدنيا. وعاندت بالفعل في بداية "المعركة" ضد التضخم، إلا أنها كبقية حكام البنوك المركزية الرئيسة، لم تصمد أمام الارتفاع المتواصل لتكاليف المعيشة، التي تعمقت في الأشهر الماضية، متأثرة بسلسلة من المشكلات العالمية، بما فيها اضطراب سلاسل التوريد، والحرب في أوكرانيا الأخطر على الإطلاق منذ الحرب العالمية الثانية، وبعض المشكلات الإجرائية التي لا تزال عالقة مع بريطانيا، لخروج الأخيرة من الكتلة الأوروبية بريكست.
ويبدو واضحا من خلال تصميم المشرعين الأوروبيين أنهم ماضون في رفع الفائدة في المستقبل القريب على الأقل، فقد اعترفوا علنا "أنهم لم يصلوا بعد إلى خط نهاية الفائدة". وهذا يبدو منطقيا في ظل موجة تضخمية عنيدة حقا، واستمرت لمدة ليست قصيرة، وستستمر في المرحلة المقبلة، رغم بعض التقدم الذي حدث في الآونة الأخيرة. المعركة ضد التضخم لن تنتهي بوقف ارتفاعه بالطبع سواء في أوروبا أو خارجها، بل ستتواصل حتى تنجح الجهات التشريعية في تحقيق الحد الأدنى لارتفاع تكاليف الحياة عند 2 في المائة. وهذه النسبة بعيدة المنال على الأقل قبل حلول منتصف العقد الحالي، ولم تتحقق أصلا حتى قبل بدء الموجة التضخمية المشار إليها.
بالطبع تؤثر الفائدة التي بلغت أخيرا 3.5 في المائة بعد رفعها نصف نقطة مئوية، سلبا في وتيرة النمو. فاقتصاد منطقة اليورو يعاني (مثل غيره) التباطؤ الاقتصادي، الذي يسبق عادة مرحلة من الركود. كما أن الفائدة العالية، لها آثارها السلبية في القطاع المصرفي عموما. فقد كانت عنصرا رئيسا (مثلا) في انهيار بنك "سيلكون فالي" الأمريكي أخيرا، إلى جانب عناصر أخرى تتعلق بتراخي الرقابة المالية على المؤسسات المالكة للمصارف عموما. لكن "الصحة المصرفية" في منطقة اليورو لا تزال قوية على الرغم من تأثرها بصورة أو بأخرى من الاضطرابات التي شهدتها عدة بنوك أمريكية وسويسرية أخيرا. وبصرف النظر عما يجري حاليا على الساحة المصرفية، فإن هذا القطاع الأوروبي قادر على الصمود حقا، كما أن الملاءة المالية لمصارف المنطقة قوية ومنسجمة مع اللوائح الموضوعة من قبل المشرعين.
ومن الواضح أن البنك المركزي الأوروبي سيواصل سياسة التشديد النقدي في مراجعاته المقبلة، خصوصا تلك المنتظرة بعد شهرين تقريبا من الآن، ما سيسهم بصورة أو بأخرى في تقييد التضخم ضمن حدود معينة. فارتفاع أسعار المستهلك وصلت في منطقة اليورو إلى 5.6 في المائة باستثناء العناصر المتقلبة، والمخاطر لا تزال تحوم حول الأسعار هذا العام على الأقل. من هنا، يمكن النظر إلى السياسة المالية لمنطقة اليورو التي لا تختلف عن تلك المتبعة في الولايات المتحدة وبريطانيا، عبر اللجوء إلى "السلاح" الوحيد المتوافر وهو الفائدة. أما فيما يتعلق بالنمو، فسيكون منخفضا للغاية خلال هذا العام، بعد أن سجل في الربع الأخير من العام الماضي 0.1 في المائة. وإذا ما استمرت الضغوط على المنوال الحالي، فإن تجنب دخول هذه المنطقة دائرة الركود سيعد انتصارا كبيرا بالفعل.

إنشرها