Author

الدروس المستفادة من أزمة SVB للمؤسسات المالية الإسلامية

|
متخصص في المعاملات المالية، مستشار في المالية الإسلامية ـ الجامعة السعودية الإلكترونية

أول ضحايا رفع أسعار الفائدة وقد لا تكون الأخيرة هو بنك سيليكون فالي SVB الذي يواجه صعوبات بسبب رفع أسعار الفائدة الذي قد يكون قبل نهاية العام قريبا من 6 في المائة لدى الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي لمواجهة التضخم. القصة كما جاءت في مجموعة من المصادر الإعلامية بدأت في فترة أسعار الفائدة التي قاربت الصفر تقريبا في الولايات المتحدة الأمريكية زمن وباء كوفيد 2019 حيث انتعشت شركات التقنية وشركات الـ Start up وكانت ودائعها الوفيرة خلال تلك الفترة يستأثر البنك بجزء كبير منها، ما حفزه على استثمارها في سوق السندات التي كانت حينها منخفضة العائد لكن غامر البنك باستثمارها في سندات بعائد ثابت بنسبة جيدة في حينها لمدة طويلة، وبعد تسارع حركة رفع أسعار الفائدة من قبل الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي قريبا من الصفر إلى نحو 5 في المائة اختلفت المعادلة بشكل كامل فأصبحت هذه السندات تحقق عائدا أقل من العائد الموجود في السوق وفي المقابل يطلب المودعون عوائد أعلى وهي ما جعلت البنك يعكس المعادلة، فالمعروف أن البنك يقترض من المودعين لديه بتكلفة أقل من سعر الفائدة التي يعرضها على المقترضين منه ويستفيد من الفرق بين ذلك، لكن في حالة بنك سيليكون فالي أصبح يقترض بسعر أعلى ويستثمر في سندات بعائد أقل ولا يستطيع أن يتخارج من هذه السندات دون خسائر حيث انخفضت أسعارها لانخفاض العائد وأصبح المودعون لديه من أصحاب شركات التقنية لديهم صعوبات تتعلق بالسيولة بسبب الحالة العامة للأسواق والارتفاع في تكلفة الاقتراض، ما جعلهم يطلبون ودائعهم من البنك فواجه صعوبة في توفير السيولة ولما شاع الأمر بين المودعين بدأت كرة الثلج تتضخم إلى أن أحدث ذلك أزمة ليست فقط لهذا البنك بل قد تتعدى إلى بنوك أخرى بسبب خشية الناس على ودائعهم.
والسؤال هنا ما علاقة هذه الأزمة بالمؤسسات المالية الإسلامية؟
الحقيقة أن المؤسسات المالية الإسلامية اعتادت على التكلفة المنخفضة للاقتراض حيث إن عملاءها لا يأخذون فوائد على ودائعهم لكن بعد التوسع في الحلول والتجارب فيما يتعلق بالتمويل الإسلامي وتوافر الخيارات المتعددة اختلفت الصورة فيما يتعلق بالمؤسسات المالية الإسلامية فأصبح لزاما عليها توفير خيارات أكثر لعملائها لجذب السيولة إلى أرصدة المصارف لتتمكن من تلبية احتياج السوق من السيولة وتحقق الأرباح، ما جعل بعض هذه المؤسسات يلجأ إلى إصدار الصكوك، وأن تقدم خيارات استثمارية بعوائد جيدة للأفراد والشركات لتحصل على حجم أكبر من السيولة وفي الوضع الحالي فإن المنافسة بين المؤسسات المالية الإسلامية كبيرة لزيادة عددها في السوق وأصبحت المؤسسات المالية التي تقدم خيارات متوافقة مع الشريعة إضافة إلى معاملاتها التقليدية كثيرة ولذلك أصبحت الودائع مكلفة لدى المؤسسات المالية الإسلامية حاليا خصوصا أنها في الأغلب مرنة وبالتالي تتأثر بأي عوامل تتعلق بتكلفة معدلات السايبور، وفي المقابل تميل كثير من المؤسسات المالية الإسلامية إلى عقود مثل المرابحة والتورق التي قد تمتد في بعض منتجاتها إلى أكثر من 20 عاما بعائد ثابت لكل هذه المدة وفي حال وجود تقلبات في الأسواق تتعرض هذه المصارف للخسائر بسبب انخفاض العائد مقابل تكلفة الأموال التي لديها، ولذلك من المهم أن يكون لدى المؤسسات المالية الإسلامية خيارات أكثر قدرة على تحمل الصدمات لانخفاض أو ارتفاع عوائد منتجاتها وأن تركز بشكل أكبر على منتجات تقوم على عقود الإجارة والمشاركة بدلا من المرابحة والتورق، وفي المرحلة الحالية بدأت البنوك التقليدية العمل على التسعير اليومي لأسعار الفائدة من خلال مؤشر RFR Risk Free Rate أي معدل للفائدة دون مخاطر وهذا يقوم على تسعير تكلفة الاقتراض يوميا بناء على أسعار الفائدة السائدة بين البنوك في الأسواق. وقد بدأت المؤسسات المالية الإسلامية العمل على الاعتماد على هذا المؤشر، ما يتطلب التوسع في الخيارات التي تعتمد على عقود مثل الإجارة التي تعد مرنة في التسعير نسبيا مقارنة بالمرابحة.
الخلاصة: إن أزمة بنك سيليكون فالي قدمت درسا في مخاطر عقود التمويل بالعائد الثابت لمدة طويلة وبما أن المؤسسات المالية الإسلامية تعتمد بشكل كبير على عقود المرابحة والتورق التي تعتمد على تسعير ثابت طيلة مدة التمويل وبناء على ذلك ستتعرض هذه المؤسسات لتحديات كبيرة عطفا على التقلبات في تكلفة الحصول على السيولة في ظل قبولها بعائد ثابت، ولذلك من المهم العمل على البحث عن حلول من خلال منتجات الإجارة والمشاركة التي تعد أكثر مرونة في تغيير العائد بحسب حالة السوق.

إنشرها