Author

تطلعات الصندوق قد تنقصها الدقة

|

أصدر صندوق النقد الدولي أحدث تطلعاته الاقتصادية نهاية كانون الثاني (يناير) الماضي. وجاءت هذه التطلعات مغايرة بعض الشيء لسلسلة توقعاته خلال العامين الماضيين.

وكان الصندوق مع كل إصدار يخفض على التوالي تطلعاته لنمو الاقتصاد العالمي خلال الفترات التالية، لكن تطلعاته الأخيرة جاءت مختلطة بعض الشيء.

ورفع الصندوق تطلعاته للنمو الاقتصادي العالمي إلى 2.9 في المائة العام الحالي بنسبة زيادة 0.2 في المائة عن تطلعات شهر تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، بينما خفض تطلعات نمو العام المقبل العالمي بنسبة 0.1 في المائة إلى 3.1 في المائة. وتقل تطلعات النمو الاقتصادي العالمي للعام الحالي والعام المقبل عن معدل نمو 2022 المقدر بنحو 3.4 في المائة.

جاء تحسن توقعات النمو خلال العام الحالي بسبب رفع معدلات نمو الدول المتقدمة والصاعدة بنسبتي 0.1 في المائة، 0.3 في المائة على التوالي.
تحسن التطلعات الاقتصادية بعض الشيء خلال العام الحالي نتج عن زيادة الإنفاق الخاص فوق المتوقع سابقا. وارتفع الاستهلاك الخاص بعد التعافي من آثار كورونا، وعاد الإنفاق إلى قطاعات الخدمات في معظم الدول، بما في ذلك الدول المتقدمة، خصوصا الولايات المتحدة، كما تحسنت قليلا معدلات الاستثمار لمواكبة نمو الاستهلاك.

ورغم رفع تطلعات نمو العام الحالي إلا أن نسبته ونسبة العام المقبل ما زالت تحت المعدلات التاريخية للألفية الحالية والبالغة 3.8 في المائة. وقد أتى هذا التراجع نتيجة لبعض العوامل التي من أبرزها سياسات التشدد النقدي للبنوك المركزية الرئيسة للسيطرة على التضخم، واستمرار الحرب الأوكرانية وارتفاع مخاطر زيادة سخونتها، وازدياد التوترات السياسية والاقتصادية بين الصين وروسيا من جهة، والاقتصادات الغربية الرئيسة من جهة أخرى. وستؤثر تلك العوامل سلبا في حركة البضائع والسلع ورأس المال والتمويلات والعمالة ونقل التقنية على المستوى العالمي.
تشير البيانات الاقتصادية خلال الأعوام القليلة الماضية وتطلعات الأعوام المقبلة، إلى حدوث فجوة بين معدلات نمو الاقتصادات المتقدمة والصاعدة لمصلحة الأخيرة.

وتجاوز حجم اقتصادات الدول غير الأعضاء في منظمة التعاون والتنمية مجموع اقتصادات أعضاء المنظمة، وستزداد هذه الفجوة خلال العامين الحالي والمقبل. وهذا سيقوي مراكز الدول النامية التفاوضية، خصوصا في آسيا مقابل الدول المتقدمة، كما سيستمر انتقال مراكز الثقل الاقتصادي، وبشكل متزايد، من جانبي المحيط الأطلسي باتجاه المحيط الهادي والدول الآسيوية.
شهد العام الماضي صعود معدلات التضخم في معظم أرجاء العالم إلى مستويات لم تسجل منذ أربعة عقود.

وواجهت الأسر عبر العالم في 2022 ارتفاعا في تكاليف المعيشة وصل إلى 8.8 في المائة. تركزت زيادات الأسعار بشكل أساسي في تكاليف المواد الضرورية من غذاء وطاقة، ما فاقم الأوضاع المعيشية لدى الشرائح السكانية منخفضة ومتوسطة الدخل في معظم دول العالم. وأثارت موجة التضخم العالمية الواسعة ذعر البنوك المركزية عبر العالم التي كانت تعتقد خطأ أنها موجة عابرة.

وأدى هذا إلى تشديد السياسات النقدية التي رفعت معدلات الفائدة، وتخلت عن سياسات التيسير الكمي. وقادت تلك السياسات إلى فرملة الاقتصادات الكبرى المطلة على المحيط الهادي وفي وأوروبا. ورفع الصندوق في تطلعات كانون الثاني (يناير) 2023 معدل التضخم العالمي لعامي 2023 - 2024، إلى 6.6 في المائة و4.3 في المائة على التوالي، بزيادة مقدارها 0.1 في المائة، 0.2 في المائة على التطلعات السابقة.

ورغم تراجع معدلات التضخم لهذا العام والمقبل عن العام السابق إلا أنها أعلى من معدلات التضخم للأعوام الثلاثة السابقة للجائحة البالغة 3.5 في المائة. وهذا يؤكد استمرار الضغوط التضخمية خلال العامين الحالي والمقبل، ما يرجح استمرار سياسات التشدد النقدي خلال العامين، وتراجع احتمالات خفض معدلات الفائدة في المدى القريب.

ونتيجة لذلك سيتعرض عديد من الدول، خصوصا النامية ذات المديونيات الخارجية المرتفعة، إلى ضغوط مالية ومخاطر محتملة على النظام المالي العالمي.
رغم تحسن التطلعات بعض الشيء إلا أن معدلات نمو الاقتصادات الرئيسة في الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والصين ستقل عن معدلاتها التاريخية في عامي 2023، 2024. وسيقود هذا الشيء والعوائق المتزايدة أمام التجارة إلى كبح معدلات نمو التجارية العالمية خلال الفترة المقبلة.

وتشير التطلعات إلى أن إجمالي التجارة العالمية سينمو خلال 2023، 2024 بمعدلي 2.4 في المائة و3.4 في المائة على التوالي.
نتيجة لضعف العوامل الكلية خلال الفترة ستتعرض صادارات المواد الأولية والنفط إلى ضغوط، كما تفيد تطلعات الصندوق. ويتوقع أن تتراجع أسعار النفط بنسبتي 16.2 في المائة و7.1 في المائة العام الحالي والمقبل، كما تذكر التطلعات.

ويستشرف الصندوق أن يتراجع معدل نمو المملكة الاقتصادي من معدله المرتفع البالغ 8.7 في المائة في 2022 إلى 2.6 في المائة في 2023، ثم يتحسن إلى 3.4 في المائة العام المقبل.

ويبدو أن الصندوق تنقصه الدقة في تطلعات نمو المملكة للعامين الحالي والمقبل، حيث بناها على توقعات تراجع أسعار النفط المستقبلي وعلى قرارات لم تتخذ بعد.

وتظهر التجارب التاريخية أن دقة توقعات الأسعار، خصوصا للنفط منخفضة جدا، كما أن تحديد ماهية قرارات أممية في مواجهة تغيرات الأسواق المستقبلية صعب للغاية.

إنشرها