Author

هيكلة التعليم بين سوق العمل ونمو المعرفة

|

يقول الخبر الذي نشر أخيرا في الصحف المحلية السعودية، إنه لم يتبق إلا 30 يوما على المدة التي حددتها وزارة التعليم للجامعات السعودية بإعادة هيكلة الأقسام والكليات والعمادات بغرض الدمج أو الغلق.

كما يضيف الخبر أن الوزارة منحت الفرصة لكل جامعة ليكون لها الخيار في إغلاق الأقسام أو الكليات التي لا تحتاج إليها، أو تلك التي لا جدوى لها في سوق العمل، كما منحت الوزارة لنفسها تحديد مصير الأقسام والكليات القابلة للدمج أو الغلق، وورد في الخبر أن الجامعات سترفع الهيكلة الجديدة، وسيترتب على ذلك قرار إغلاق أقسام وكليات وعمادات، وتوقف القبول بها، والاكتفاء بالطلاب الدارسين لحين تخرجهم.
رأيت مناقشة الموضوع بهدف إبراز الإيجابيات والسلبيات من الهيكلة المتوقعة، ولعله من المناسب تأكيد مجموعة من الحقائق: أولاها، أن الهيكلة وإعادة الهيكلة أمر طبيعي وضروري في جميع المجالات الاقتصادية، والتعليمية، والتجارية، والصحية، والإدارية وغيرها، وذلك استجابة للظروف والمستجدات والتحولات المحلية والعالمية بما يخدم المصلحة العامة، وبما يقلل من التكاليف والإنفاق الذي قد يوجد في مجال من المجالات بغض النظر عن طبيعة النشاط القائم.
الحقيقة الثانية، أن التعليم كغيره من المجالات مر بحالة توسع ربما لم تكن مدروسة بالشكل المناسب، وقد يكون للوفرة المالية التي مر بها الوطن في فترات سابقة دور في ذلك، ليس بهدف الصرف، لكن بهدف إعطاء فرصة التعلم لكل فرد من أفراد المجتمع لما للتعليم من أثر في الرقي بالمستوى الحضاري والثقافي لأبناء المجتمع.
الحقيقة الثالثة، تتمثل في أن التوسع الذي حدث، خاصة في التعليم الجامعي، لم يكن مدروسا بشكل جيد وبما يحقق تميز كل جامعة عن غيرها في التخصصات التي تدرسها، ما جعل بعض الجامعات صورا طبق الأصل من بعضها في الأقسام والتخصصات، حتى إن بعض الجامعات افتتحت أقساما مع عدم وجود متخصصين على مستوى عال من التأهيل والإعداد، ليتخرج الطلاب وهم أقل كفاءة في مجال تخصصهم.

وأذكر -على سبيل المثال لا الحصر- تخصص التربية الخاصة، حيث سارعت كل الجامعات إلى افتتاح قسم فيها، نظرا إلى وفرة الوظائف في المجال، وأذكر أنه مرت فترة تكون خيارات الطلاب في القبول لذوي المعدلات المرتفعة محصورة بين كلية الطب، وقسم التربية الخاصة في جامعة الملك سعود.
الحقيقة الرابعة، تتمثل في وجود خريجين في بعض المجالات أكثر من حاجة سوق العمل، سواء الحكومي أو الخاص، ليشكل هذا الوضع مشكلة للأفراد والأسر والجهات الرسمية، وهذا أعطى الفرصة للقطاع الخاص لإبداء تذمره من قلة كفاءة الخريجين وندرتهم في المجالات التي تحتاج إليها سوق العمل بغض النظر عن صحة الادعاء من عدمه.
أخذا في الحسبان الحقائق السابقة، أقترح أن تبنى الهيكلة المزمع تنفيذها حسب الحقائق التالية وأولاها أن سوق العمل متغيرة نوعا وكما، فالمهن الموجودة الآن قد تتغير، إما باختفائها، وإما بتحورها نتيجة التحولات التقنية المتسارعة، كما في حالة الطبابة عن بعد، ودخول الروبوت سوق العمل، وهذا يتطلب مرونة تسمح للجامعات باستحداث التخصصات المناسبة للظروف المستجدة.
الحقيقة الثانية، تتمثل في ضروروة رصد التحولات في سوق العمل كما ونوعا، وهذا الأمر لا يمكن تحميله الجامعات، بل إما أن تقوم به وزارة التعليم، نظرا إلى ربط الجامعات هيكليا بها، وإما وزارة الموارد البشرية لقدرتها على المسح الشمولي وتتبع التغيرات التي تطرأ على سوق العمل.
الحقيقة الثالثة، أن الحقول المعرفية يوجد بينها من التمايز والاختلاف ما لا يسمح بالدمج، وإنما بالتكامل بين بعضها، كما لا يمكن إلغاؤها تماما، فالمعرفة ضرورية في كل المجالات مهما بدا لنا عدم أهمية حقل معرفي في ظرف زمني، ولا بد من متخصصين في كل المجالات مع التحكم في عدد الدارسين، والتأكيد لهم بحقيقة ندرة أو انعدام فرص العمل، ليقرر الفرد بنفسه الالتحاق بهذا التخصص أو ذاك.

إنشرها