العقبات أمام تحول نظام الطاقة «3 من 3»
ربما تميل بعض الدول ذات الاقتصادات المتقدمة إلى رأب هذه الفجوة، غير أن الواقع قد رصد بوضوح تام في أيلول (سبتمبر) 2022، وذلك عندما صوت البرلمان الأوروبي ـ في مجاهرة غير مألوفة بفرض الولاية خارج الحدود الوطنية ـ لإدانة مقترح بإنشاء خط أنابيب نفطي يمتد من أوغندا مرورا بتنزانيا وصولا إلى المحيط الهندي. وقد ندد البرلمان بالمشروع بحجة أن خط الأنابيب سيكون له أثر ضار في المناخ والبيئة و"حقوق الإنسان".
وللبرلمان الأوروبي مقر في فرنسا وبلجيكا، حيث يبلغ نصيب الفرد من الدخل نحو 20 ضعف نصيب الفرد من الدخل في أوغندا. وكما كان متوقعا، فقد أثارت الإدانة رد فعل غاضب في أوغندا، حيث ينظر إلى خط الأنابيب باعتباره ذا أهمية بالغة للتنمية الاقتصادية. وندد نائب رئيس البرلمان بالقرار الأوروبي واصفا إياه بأنه "أعلى مستويات الاستعمار الجديد والإمبريالية المعادية لسيادة أوغندا وتنزانيا". وأضاف وزير الطاقة قائلا، "كانت إفريقيا أرضا خضراء، بيد أن الناس يقطعون الأشجار لأنهم فقراء". وقد نزل أعضاء اتحاد الطلاب الوطني في أوغندا إلى الشوارع للتظاهر ضد البرلمان الأوروبي، حيث قال أحد قادة الطلاب إن "الأوروبيين لا يتمتعون بسمو أخلاقي". وبصرف النظر عن القضايا المحددة، فمن الصعب إنكار وجود تباين كبير في وجهات النظر.
ويظهر الانقسام بشكل واضح تماما عندما يتعلق الأمر بالتمويل. فقد أوقفت البنوك الغربية والمؤسسات المالية متعددة الأطراف تمويل إنشاء خطوط الأنابيب والموانئ والبنى التحتية الأخرى ذات الصلة بتطوير الموارد الهيدروكربونية. ولخص أحد وزراء الطاقة في إفريقيا تأثير عدم منح التمويل بأنه يشبه "إزاحة السلم ومطالبتنا بالقفز أو الطيران". وستكون هناك حاجة ملحة بشكل متزايد إلى تحقيق توازن بين وجهات نظر العالم النامي حيث يعيش 80 في المائة من سكان العالم، وبين وجهات نظر أوروبا الغربية وأمريكا الشمالية.
وحول الحديث عن إيقاف التمويل فإن التحدي الرابع يتمثل في ضمان توفير سلاسل إمداد جديدة للوصول بالانبعاثات إلى الصفر الصافي. ومن شأن تمرير قانون خفض التضخم في الولايات المتحدة، بما يتضمنه من دعم وحوافز ضخمة للاستثمار في مصادر الطاقة المتجددة، إضافة إلى خطة حزمة تدابير الطاقة الأوروبية REPowerEU في أوروبا، والمبادرات المماثلة في أماكن أخرى، زيادة الطلب على المعادن التي تشكل العناصر الأساسية للطاقة المتجددة، التي تتطلب توربينات رياح ومركبات كهربائية وألواحا شمسية، وغيرها. وقد أصدرت مجموعة من المنظمات، تتضمن صندوق النقد والبنك الدوليين والوكالة الدولية للطاقة وكذلك حكومة الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي واليابان، دراسات بشأن الحاجة الملحة إلى توفير سلاسل الإمداد هذه. وتتوقع الوكالة الدولية للطاقة أن الاقتصاد العالمي سينتقل من "نظام طاقة كثيف الاستهلاك للوقود إلى نظام طاقة كثيف الاستهلاك للمعادن"، الأمر الذي من شأنه "زيادة الطلب على المعادن الضرورية". وقد أوجزت ذلك في كتاب الخريطة الجديدة بأنه انتقال من "كبرى شركات النفط" إلى "كبرى شركات التعدين".
وقد سعت "ستاندرد آند بورز جلوبال"، وهي الشركة المختصة في الشؤون المالية والتحليل التي أعمل نائبا لرئيس مجلس إدارتها إلى الاستفادة من تلك الدراسات وإجراء قياس كمي للمستوى الذي سيكون عليه "الطلب الزائد" على المعادن. وركزت الدراسة التي أجرتها "ستاندرد آند بورز جلوبال" تحت عنوان "مستقبل النحاس، هل ستعوق فجوة العرض التي تلوح في الأفق التحول في نظام الطاقة؟" 2022 على هذا المعدن، إذ إن الهدف الرئيس للتحول في نظام الطاقة هو التحول نحو استخدام الطاقة الكهربائية، والنحاس هو "المعدن اللازم للتحول نحو استخدام الطاقة الكهربائية".