Author

الزخم الصعودي لأسعار النفط آخذ في الازدياد

|

تميز 2022 بزيادة التقلبات في أسواق النفط. تم تداول خام برنت في بداية العام عند 83 دولارا للبرميل وسينهي العام بالقرب من 80 دولارا للبرميل، لكن لمدة ستة أشهر تقريبا كان يتداول عند مستويات مكونة من ثلاثة أرقام. في الآونة الأخيرة، مخاوف الركود تركت أسعار النفط عالقة عند أدنى مستوى لها في عام، لكن الزخم الصعودي لأسعار النفط في العام المقبل ربما يكون قد بدأ بالفعل.
لقد أجبرت الأحداث الجيوسياسية المنتجين والمستهلكين على إجراء تغييرات كبيرة في تدفقات النفط الدولية. على سبيل المثال، تمت إعادة توجيه النفط الروسي، الذي كان يتم توريده إلى أوروبا في الماضي، إلى الأسواق الآسيوية. في حين، اضطرت أوروبا إلى البحث عن إمدادات جديدة من مصادر أبعد وبأسعار أعلى. في هذا الجانب، يمكن استنباط عدد من الدروس من التحولات التي شهدها 2022.
"أوبك +" تدعم استقرار أسواق النفط. لقد كان دور "أوبك +" حاسما في الحد من تقلبات الأسعار وتحقيق الاستقرار في السوق - من خلال العمل كمنتج متأرجح يعوض صدمات العرض والطلب. في سعيها إلى استقرار أسواق النفط تركز المجموعة على أساسيات السوق ولا تسيس القرارات. في هذا الصدد، قال الأمير عبدالعزيز بن سلمان وزير الطاقة في مقابلة مع وكالة الأنباء السعودية "واس"، "التحالف يبقي الشؤون السياسية خارج تحليلاته وتوقعاته لأوضاع السوق"، مضيفا، أنه "جرى انتقاد قرار تحالف (أوبك +) الذي اتخذه بخفض الإنتاج بشكل حاد في تشرين الأول (أكتوبر). لكن تبين مرة أخرى أن قرار (أوبك +) كان القرار الصحيح لدعم استقرار السوق البترولية وصناعة البترول".
لا تستطيع الولايات المتحدة تحقيق الاستقرار في السوق. لم يعد بإمكان منتجي النفط في الولايات المتحدة تحقيق النمو بأي ثمن. يستغرق الأمر الآن منهم وقتا أطول لزيادة الإنتاج مقارنة بـ2016 و2017. لم تكن صناعة النفط الأمريكي أبدا لاعبا حقيقيا في تحقيق الاستقرار في سوق النفط، حيث تمثلها شركات مختلفة لا تعمل في انسجام تام. في 2022، كان رد فعل المنتجين بطيئا على ارتفاع الأسعار. على الرغم من ثبات الأسعار منذ مستويات من ثلاثة أرقام لعدة أشهر خلال فصلي الربيع والصيف، فقط في آب (أغسطس) وصلت مستويات الإنتاج إلى 11.98 مليون برميل في اليوم. لذلك على السوق من الآن فصاعدا توقع تباطؤ وتيرة زيادة الإنتاج من قبل صناعة النفط الصخري الأمريكية.
الطلب على النفط في الصين عامل حاسم. في الوقت الذي عاد الطلب على النفط إلى مستويات ما قبل الجائحة في الدول الأخرى، واصلت الصين اتباع سياسة "صفر إصابات"، الأمر الذي فرض ضغوطا خطيرة على الطلب في هذا البلد. نتيجة لذلك، لم يتجاوز الطلب العالمي في 2022 العرض. وعلى الرغم من أن الصين بدأت بالفعل في تخفيف القيود، ينبغي على الأسواق عدم الاعتماد على التعافي الفوري في الطلب إلى مستويات ما قبل الجائحة.
السوق تظل بحاجة إلى النفط الروسي. حاولت أوروبا والولايات المتحدة الحد من عائدات النفط الروسية من خلال العقوبات وسقف أسعار لم يتم التخطيط له جيدا. تسببت هذه الإجراءات في حدوث تشوهات في إمدادات النفط العالمية، لكنها لم تمنع روسيا من دخول أسواق جديدة، فقد أعيد توجيه الإمدادات الآن إلى الهند - إلى سوق جديدة تماما لروسيا. كما زادت الصين شراء النفط الروسي. حتى إذا حلت أوروبا وروسيا خلافاتهما واستأنفت تجارة النفط، من المرجح أن تستمر روسيا في تزويد الهند وأسواق جديدة أخرى بالطاقة.
الطاقة المتجددة لم تحل الأزمة في أوروبا. واجهت أوروبا أزمة طاقة حادة عندما قررت التوقف عن شراء الغاز والنفط الروسيين. مع استمرار هذه الأزمة، هناك وعي متزايد بأن الطاقة الشمسية وطاقة الرياح لا يمكن أن تكونا مصادر مستقرة للكهرباء. في 2023، سنكتشف ما إذا كانت أوروبا قد تعلمت الدرس وتريد إعادة النظر في استراتيجيتها لتحول طاقتها. هل ستتمكن أوروبا من تزويد المستهلكين بمصادر طاقة ميسورة التكلفة وموثوقة؟
بالنظر إلى الأمام، على الرغم من أن التوقعات على المدى القريب لا تزال تميل إلى الجانب السلبي مع استمرار سياسات التشدد النقدي وزيادة الإصابات في الصين بعد تخفيف القيود، إلا أن التوقعات في وقت لاحق من العام المقبل أكثر تفاؤلا مما كانت عليه قبل أسابيع قليلة. بالفعل، عملت صناديق التحوط ومديرو الأموال الآخرون على إبطاء عمليات البيع في أهم عقدين من العقود الآجلة للنفط الخام، بعد خروج جماعي في تشرين الثاني (نوفمبر).
وعلى الرغم من أن الطلب الصيني يواجه رياحا معاكسة على المدى القريب مع انتشار موجة جديدة، لكن من المرجح أن يكون هناك انتعاش على المدى الأبعد، حيث تظل الحكومة ملتزمة بدفع انتعاش الاستهلاك. ستتوقف آفاق الطلب الصيني على النفط على مدى سرعتها في تعزيز نظام الرعاية الصحية، ومدى سوء هذه الموجة. كما أن إعلان الولايات المتحدة بدء إعادة شراء النفط الخام لإعادة ملء الاحتياطي البترولي الاستراتيجي، يعزز الطلب ويضع أيضا أرضية صلبة تحت أسعار النفط عند 70 دولارا للبرميل.
على جانب العرض، قررت "أوبك +" خفض الإنتاج بمقدار مليوني برميل في اليوم، من نوفمبر 2022 حتى نهاية 2023. على الرغم من أن قرار المجموعة هو القرار الصحيح على المدى القريب، لأنه يوفر الاستقرار للسوق. لكن، الأسواق قد تتشدد في وقت لاحق من العام المقبل. ثم هناك الحظر على النفط الروسي وسقف الأسعار، التي من المقرر أن تعطل السوق وتشددها في وقت مبكر من العام المقبل. على الرغم من أن إمدادات النفط الروسية ظلت حتى الآن أفضل مما كان متوقعا، لكن من المحتمل أن تكون قدرة الهند والصين على استيعاب كمية أكبر من النفط الروسي محدودة. ونتيجة لذلك، يتوقع المحللون انخفاض الإمدادات الروسية بما يراوح بين 1.5 و1.8 مليون برميل يوميا سنويا في الربع الأول من 2023.
لذلك من المتوقع حدوث عجز متزايد على مدار العام المقبل، ما يشير إلى أن أسعار النفط يجب أن ترتفع عن المستويات الحالية. في هذا الجانب، قال بنك ING، "من المتوقع أن يبلغ متوسط سعر خام برنت 104 دولارات للبرميل خلال 2023، لكن عدم اليقين بشأن توقعاتنا مرتفع، نظرا إلى الوضع الجيوسياسي واتجاه الاقتصاد العالمي". كما لا تستبعد وكالة الطاقة الدولية ارتفاع أسعار النفط مرة أخرى بمجرد أن يشعر السوق بالتأثير الكامل لجميع أشكال الحظر على الخام والمنتجات الروسية في مرحلة ما بعد آب (أغسطس)/شباط (فبراير) من العام المقبل. وقالت الوكالة في تقريرها الأخير عن سوق النفط، "بينما نتحرك خلال أشهر الشتاء نحو توازن نفطي أكثر تشددا في الربع الثاني من 2023، لا يمكن استبعاد ارتفاع آخر في الأسعار".

إنشرها