Author

فلسفة التأسف

|

بحكم الطبيعة البشرية التي خلق الله الناس عليها فإنهم معرضون لأن يخطئوا على بعضهم بعضا سواء بالقول أو الفعل. وتتفاوت نسبة ما يخطئ به شخص على آخر حسب التربية التي نشأ عليها وقدرته على ضبط مشاعره وقت الغضب. قد يخطئ الإنسان على أحد أقاربه أو حتى على أحد والديه. وبالمثل قد يخطئ الأب أو الأم في حق أحد أبنائه بغير وجه حق. وأيا كان الأمر فإن إظهار التأسف وتقديم الاعتذار هو الحل الوحيد لمسح الألم أو إبراء الجرح الذي أحدثه ذلك الخطأ. يرى البعض أن التأسف ضعف في شخصية المتأسف وأنه يدفع الطرف الآخر - أي: المتأسف له إلى الاستعلاء عليه -، وهذا أمر غير صحيح وخلاف الواقع، بل العكس هو الصحيح، إذ إن تقديم الاعتذار لمن أخطأ الإنسان بحقه يعد مصدر قوة في الشخصية وينبئ عن الثقة بالنفس. وعلى الجانب الآخر يجب على من قدم له التأسف أن يقبله بصدر رحب ويجعله سببا في عودة المياه إلى مجاريها. وصدق الإمام الشافعي حين قال:
اقبل معاذير من يأتيك معتذرا
إن بر عندك فيما قال أو فجرا
لقد أطاعك من يرضيك ظاهره
وقد أجلك من يعصيك مستترا
إن التأسف قد لا يحقق مفعوله ما لم يتم بالطريقة الصحيحة - أي: أن يكون تأسفا حقيقيا صادقا نابعا من القلب - وفي هذه الحالة لا يستفيد المتأسف منه فحسب، بل يفيد المتأسف نفسه لأن الآثار المترتبة للندم قد تهدد صحة الإنسان النفسية والعاطفية والجسدية، لكن من خلال التأسف وتقديم الاعتذار وتحمل مسؤولية الفعل فإن الإنسان يساعد نفسه ويخلصها من تبعات فقدان الاحترام والتوبيخ الذاتي والشعور بالذنب. ومن الملاحظ أنه حتى إن كان التأسف يشعر البعض بالإهانة إلا أن له فائدة كبيرة، إذ يكون هذا الشعور بمنزلة رادع يحول بينه وبين تكرار مثل هذا الفعل. يرى علماء النفس أن الاعتذار يجب أن يكون غير مشروط، لأن التأسف أو الاعتذار المشروط يعد سلبيا أو وهميا كأن يقول، "أنا آسف إن كنت قد أخطأت بحقك!". إن التأسف الحقيقي يجب أن يشمله الندم والمسؤولية والرغبة في التعويض وهنا فقط سيكون بمنزلة العطر الجميل ذي الرائحة الجذابة الذي بمقدوره أن يحول أكثر اللحظات حماقة إلى هدية جميلة.

إنشرها