دورة حضارية
يبدو أننا بصدد تغير المراكز والتقييمات والانطباعات فيما يتعلق بمنتخبات كرة القدم، النتائج تقول بذلك، نتائج دول ليست في التصنيفات الأولى في مقدمتها السعودية والمغرب واليابان، ورغم أننا في الأدوار التمهيدية إلا أن الواضح أن خريطة المتأهلين للدور الذي يلي ستتغير أكثر من ذي قبل وستحمل أكثر من مفاجأة.
الليلة سيتضح كثير من الأمور حيال تأهل منتخبنا الوطني إلى المرحلة الثانية من بطولة كأس العالم، ونتمنى التوفيق لمنتخبنا الذي حقق هذه المرة حضورا احترافيا مميزا، حتى وهو يخرج خاسرا من بولندا، خرج برضا وإعجاب الجمهور الوطني والعالمي، لأنه لعب كرة قدم حقيقية وماتعة ولم يحالفه الحظ.
الاحتراف في هذه المشاركة لم يكن فقط على مستوى اللاعبين الذين يمثلون أجيالا جديدة لا تعترف بالهزيمة النفسية، وتتعامل مع الأمر على أنه 11 لاعبا يقابلون 11 لاعبا مثلهم كما قال أحد نجوم منتخبنا عندما سئل عن كيفية مواجهة اللاعب الشهير في منتخب الأرجنتين.
الاحتراف امتد إلى القيادة الرياضية، كان من الواضح أن وزير الرياضة يتعامل بمنهجية تحترم دور ومهمة كل فرد في الجهازين الإداري والفني، ورأيناه كيف يؤدي دوره الحكومي باقتدار، ثم دوره الإنساني كمواطن سعودي يشجع منتخب بلاده، ولم نر أو نسمع أي تدخلات أخرى، التدخلات التي اشتهرت بها الثقافة الإدارية الرياضية في العالم العربي لفترة طويلة.
بغض النظر عن نتيجة الليلة التي نتمناها خضراء ناصعة، فإن العالم لن ينسى مشاركتنا هذه المرة، ليس لأننا هزمنا أحد أقوى ثلاثة منتخبات في العالم، بل لأننا قدمنا نموذجا يعكس حقيقتنا وواقعنا، نموذجا مبدعا حتى في تفاصيل صغيرة من الجمهور الجميل الذي إذا نظرنا إلى حضوره من وجهة نظر اتصالية بحتة، نرى تأثيره في انتشار عباراته بطريقة طريفة وعلى رأسها -مثلا- عبارة "فلان وينه" التي أصبحت تقال عن كل لاعب نجم لم يؤد المستوى المطلوب منه.
لعل منتخبنا ومعه منتخب المغرب يحققان شحذ الوعي العالمي الحقيقي بين جماهير كرة القدم، الوعي القادر على الانتباه لروح العمل والإرادة لدى لاعبين لا يستسلمون للحتميات، الحتميات التي في مخيلة الجمهور والإعلام الرياضي العالمي.
في السعودية تحديدا نحن إزاء دورة حضارية جديدة، قوامها رؤية سديدة، وتغيرات يسرعها ويرسخها قبول اجتماعي يرتكز على تطورات معرفية كثيفة ذات دلالات جديدة في التاريخ التنموي والثقافي والإنساني المحلي، وهذه الدورة تشمل معظم مناحي حياتنا، ومنها الرياضة، وبالطبع كرة القدم، الرياضة المدللة عند أغلب البشر.
بالتوفيق لبلادنا وناسنا ومنتخبنا.