Author

الغرب .. والمضمر وراء المتطلبات المناخية

|

يواجه العالم تحديا مناخيا في ازدياد حرارة الغلاف الجوي ومياه المحيطات وهو الأخطر منذ آلاف السنين. وتشير بيانات المناخ عبر الكرة الأرضية إلى ارتفاع معدل درجة حرارة الكوكب الأزرق بنحو 1.1 درجة مئوية عما كانت عليه قبل الثورة الصناعية. ولمواجهة تلك التحديات تعقد قمم أممية سنوية منذ تسعينيات القرن الماضي. وفي هذا المضمار، عقدت قمة الأمم المتحدة الـ27 للمناخ في شرم الشيخ بين السادس والـ19 من تشرين الثاني (نوفمبر) الحالي. ناقشت القمة قضايا المناخ وسياسات وإنجازات الدول تجاهها. حضر القمة 100 زعيم من قادة الأمم، و35 ألف مشارك من المهتمين ووفود الدول. وتستهدف قمم المناخ تبني الدول سياسات الحد من التلوث، ومنع ارتفاع متوسط الحرارة على الأرض فوق 1.5 مئوية عما كانت عليه قبل القرن الـ19.
سيتركز نمو استهلاك الطاقة وبنيتها الأساسية خلال الأعوام المقبلة في الدول النامية والصاعدة. وتطالب مجموعة الدول النامية الدول المتطورة بمساعدتها على تمويل تخضير البنية الأساسية للطاقة من خلال الاستثمار في العمل المناخي للدول النامية. يذكر تقرير مناخي أن الدول النامية تحتاج إلى مبالغ طائلة تقدر بتريليونات الدولارات للحد من التلوث، وأن على الدول المتقدمة مضاعفة منحها وقروضها الميسرة واستثماراتها في الدول النامية. يذكر التقرير أن مصادر التمويل هذه ضرورية للدول النامية لدعم العمل على استعادة الأرض والطبيعة، وللحماية من الخسائر والأضرار الناجمة عن تأثيرات تغير المناخ الذي تولد معظمه من أنشطة الدول المتطورة التاريخية. طبعا رفضت الدول المتقدمة الالتزام بدفع تعويضات عن الأضرار المناخية الناتجة عن استهلاكها التاريخي للطاقة، لكنها وافقت في النهاية على تأسيس صندوق لمساعدة الدول النامية على التعامل مع الكوارث المناخية (دون تحديد مبالغ معينة)، وتوفير دعم مالي للتكيف مع تبعات التغير المناخي الذي يشهده كوكب الأرض، ودعم حلول التقنية المتعلقة بالمناخ.
طالب عدد من الدول المتقدمة بالالتزام بخفض استهلاك الطاقة بشكل عام ودون أي تمييز بين أنواع الوقود، في المقابل عارض كثير من الدول لأن المبررات الاقتصادية للتحول عن مصادر الطاقة التقليدية غير مجدية وغير منطقية. لكن دول العالم اتفقت على الخفض التدريجي لاستهلاك الوقود الأكثر تلويثا للبيئة وهو الفحم الحجري.
تسعى الدول خلال الاجتماعات الأممية إلى حماية مصالحها من خلال خفض الالتزامات والسعي إلى جني أكبر قدر من المكاسب. وتركز الدول النامية على مطالب زيادة معونات الدول المتقدمة والغنية لمساعدتها على تغيير السياسات. وتضخم الدول النامية بالطبع تكاليف التكيف للحصول على أكبر قدر من المعونات. في المقابل، تعارض الدول المتقدمة تقديم معونات إضافية، وبدلا من ذلك تعيد تصنيفها لتنسجم مع الاتفاقيات الدولية الجديدة. من جهة أخرى، تحد المعارضة الداخلية من قدرة الدول المتقدمة على زيادة معوناتها الخارجية. لهذا فلا يتوقع أن يحدث تغير جوهري أو كبير في حجم المساعدات التي تقدمها الدول المتقدمة والغنية للدول النامية.
عموما، يوجد توافق دولي وتعهد من معظم الدول على الأمد الطويل بالحد من ارتفاع درجات الحرارة فوق 1.5 درجة مئوية عما كانت عليه منذ قرنين وهو أمر جيد. ولكن تطفو على السطح خلافات بشأن السياسات وسرعة الإجراءات، وهناك شكوك قوية بشأن جدوى بعض السياسات. ويرى المشككون أن التعهدات على الأمد الطويل هي محاولة لإعطاء الدول فسحة من الوقت للتحول التدريجي، والسماح للتطورات التقنية بالحدوث، ومراعاة التطورات الاقتصادية الداخلية، والتأكد من الجدوى الاقتصادية للتحولات في مجالات الطاقة.
وتضمر مطالب الحد من الانبعاثات واستخدامات الطاقة أهدافا أخرى للدول الغربية، من أبرزها محاولة إبطاء معدلات نمو الدول النامية، وخفض قدرات كثير منها التنافسية مع العالم المتقدم، ونجد مبرراتهم بين الحين والآخر غير منطقية ولا تستند إلى أسس اقتصادية. كما تضمر إمكانية استغلال الغرب قضايا المناخ في الضغط السياسي والاقتصادي على بعض الدول كالصين، أو مصدري الطاقة كروسيا لأهداف استراتيجية.
إن التركيز على التخلص من الطاقة التقليدية بشكل عام ليس عمليا حاليا وغير مجد اقتصاديا خلال الأعوام المقبلة. ويمكن حماية الأرض بمستويات مأمونة لو تم تغيير مزيج الطاقة، حيث سيمكن استبدال الفحم الحجري بالطاقة النظيفة من إعادة التوازن.

إنشرها