Author

سمات الإدارة السعودية الحديثة

|

امتدادا لحرص خادم الحرمين الشريفين على أن تشمل التنمية جميع المدن والمحافظات بناء على الميزات النسبية لكل منطقة، فقد أعلن الأمير محمد بن سلمان، ولي العهد رئيس مجلس الوزراء، رئيس مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية، التوجه التنموي لجزيرة دارين وتاروت والمبادرات المستقبلية للجزيرة.
وتقع جزيرة تاروت على الساحل الغربي للخليج العربي في امتداد منبسط للساحل على خليج تاروت شرق مدينة القطيف وشمال مدينة الدمام، وتبلغ مساحة هذه الجزيرة أكثر من 30 كيلومترا مربعا من الخط الساحلي، وترتبط تاروت بالقطيف من الغرب بجسر، بينما تعد دارين بلدة ومركزا إداريا تابعا لمحافظة القطيف، وتقع في الركن الجنوبي لجزيرة تاروت.
وتتمتع جزيرة تاروت بتاريخ عريق يمتد إلى أكثر من خمسة آلاف عام، وفيها تقع قلعة تاروت الشهيرة التي يعود تاريخها إلى أكثر من ألف عام، وفي القلعة عديد من الزخارف الجبسية وأنواع الخشب القديمة، والبوابات القديمة، وتوجد جهود لإعادة اكتشاف الجزيرة في ظل توافر آثار تعود إلى حضارات قديمة. فقد كانت بوابة من بوابات الساحل العربي على الخليج العربي ومركزا تجاريا مهما. من خلالها عبر كثير من السفن التجارية التي تحمل التوابل والحرير من الهند والصين إلى المدن التجارية في الجزيرة العربية، وعبر طرق التجارة حتى سواحل البحر الأبيض المتوسط.
كما كانت مركزا عسكريا فريدا للقوات البرتغالية التي كانت أساطيلها تجوب المنطقة في القرن الـ16، فالجزيرة تمثل كنزا حضاريا عالميا، مع ما تتمتع به من موقع جغرافي مميز لهواة البحر وأنواع الرياضة البحرية، أي تحمل مقومات سياحية فريدة قلما توجد في غيرها، إذ تعد غنية بالتراث والثقافة والتاريخ، ومركز جذب سياحي بحري، غنيا بالأنشطة البحرية الكثيرة، وتعد متحفا بيئيا واسعا.
ولتحقيق المستهدفات التنموية في هذه المنطقة فلا بد من الاهتمام بجوانبها كافة، وهذا ما حمله التوجه التنموي للجزيرة في أكثر من 19 مبادرة نوعية، شملت جوانبها التراثية والمعمارية والبيئية، بحيث تتكامل هذه العناصر في منطقة جغرافية واحدة لترسم واحدة من أجمل الجزر العالمية، مع موقع جغرافي مميز. هكذا تظهر جزيرة دارين وتاروت ممثلة نموذجا من نماذج تحقيق رؤية المملكة 2030 التي تسعى إلى استثمار مكامن ثرواتنا، من موقع استراتيجي متميز، وقوة استثمارية رائدة، وعمق عربي وإسلامي.
ومن ضمن الخطط المخصصة للجزيرة التاريخية، إنشاء أكبر غابة مانجروف على ضفاف الخليج العربي، وهذا الاهتمام البيئي يأتي ضمن خطط المملكة في الاهتمام بالبيئة وحماية الطبيعة وتعزيزها، مع الحفاظ على توازن المياه واستعادة التنوع البيولوجي، في إطار بنية حضارية متكاملة تحقق جودة الحياة من خلال الاستفادة من الميزات النسبية للجزيرة في النواحي التراثية، والبيئية، والسياحية، بما يسهم في تحقيق التنوع الاقتصادي بإنشاء عدد من الفنادق والنزل البيئية في المناطق الطبيعية، وإنشاء الطرق والبنى التحتية والحدائق العامة، التي تتضمن عدة ملاعب ومنشآت رياضية حديثة.
وفي هذا التصور ستتم إضافة 297 مليون ريال سنويا إلى الناتج المحلي الإجمالي مع تزايد عدد السياح إلى 1.36 مليون سائح بحلول 2030، وتوفير آلاف الفرص الوظيفية.
وكما هو معتاد في المبادرات والبرامج كافة التي أطلقها ولي العهد، لا بد أن يتم كل ذلك في ظل عمل مؤسسي وحوكمة صارمة تحقق المستهدفات وتحد من التراخي أو تأخير الإنجازات والتعثر في الأداء. وقد تضمنت التوجيهات الموافقة على إنشاء مؤسسة لتطوير جزيرة دارين وتاروت على تخصيص ميزانية تقديرية بقيمة مليارين و644 مليون ريال "705 ملايين دولار". تجدر الإشارة إلى أن اعتماد التوجه التنموي للجزيرة يأتي كثالث مشروع من المشاريع التطويرية في المنطقة الشرقية بعد إنشاء هيئة تطوير المنطقة الشرقية، وهيئة تطوير الأحساء، الذي يعكس الاهتمام بتطويرها والارتقاء بها اقتصاديا وثقافيا وعمرانيا تحقيقا لرؤية 2030. وهكذا يتضح أن العمل المؤسسي غير المركزي مع أسقف الميزانية في ظل حوكمة فاعلة أصبح سمة من سمات الإدارة السعودية الحديثة، فعديد من المؤسسات تعمل اليوم جنبا إلى جنب بمستهدفات واضحة. فلم تعد هناك مؤسسات مركزية شمولية تفقد تركيزها بين مستهدفات عدة، في ظل ميزانيات من أبواب غير محددة الأهداف أو البرامج. وهذه التجربة الإدارية السعودية الحديثة ستمكن بشكل واضح من تتبع الإنجازات والمساءلة والمراقبة الفاعلة، مع دعم واضح وغير محدود. هكذا تكون الحوكمة الرشيدة التي تسمح بالتقدم والازدهار.

إنشرها