الآثار المحاسبية لارتفاع سعر الفائدة

يعتقد البعض أن خلو قائمة المركز المالي من القروض يعني أن المنشأة بعيدة عن مخاطر التغير في أسعار الفائدة. وهذا الأمر غير صحيح، فأسعار الفائدة تؤثر بطرق مختلفة في القوائم المالية والأداء المالي للمنشآت. وكما هي القاعدة المعتادة في التعامل مع الأحداث والعمليات المالية، التي قد تكون عملية شراء أو بيع أو تعاقد أو حتى تعهد، تقوم المعالجة الجيدة في البداية على التخطيط المبكر للحدث ـ ومن ذلك عدم القيام به إن لم يكن ضروريا أو تنفيذه إن كان عكس ذلك. ثم التنفيذ بطريقة صحيحة والتحكم في أثره والتقليل من تداعياته ـ مثل التحوط والقياس المبكر وتوثيق ذلك، وتحليل الاحتمالات والتنبؤات، وطرح الخيارات والبدائل. ثم متابعة التغييرات التي تحدث أثناء حياة هذه العملية. ولا يخلو الأمر من التقدير والتوقع اللذين يتطلبان المراجعة المستمرة في ضوء تغير أسعار الفائدة. كلما كانت الإدارة أقرب لفهم الواقع تمكنت من إدارته بشكل أفضل وتمكنت من التبليغ والإفصاح عنه لمن يهمهم الأمر بشكل واضح وجيد.
هناك أمثلة متعددة لآثار ارتفاع سعر الفائدة في القوائم المالية خلافا عن الديون وتكلفتها، مثل الآثار المحتملة في الأصول الملموسة وغير الملموسة. يحدد على سبيل المثال معيار الهبوط في قيمة الأصول رقم 36 طرق التعامل مع قيم الأصول ومقدار انخفاضها، ومن ذلك استخدام القيمة القابلة للاسترداد المبنية على القيمة العادلة وقيمة الاستخدام عند مقارنة ذلك بالقيمة الدفترية، ولاحتساب هذه القيم يتم استخدام معدل الخصم الذي يتأثر بارتفاع معدلات الفائدة، وقد تؤثر كذلك المتغيرات الاقتصادية المتأثرة بارتفاع معدلات الفائدة في توقعات المبيعات مثلا، ما يخفض في النهاية من قيمة الأصل ويرفع من احتمالات تخفيض قيم الأصول. وهذا قد يصنع فوارق كبيرة تتطلب المعالجة وتؤثر في حالة المنشأة المالية.
ومما لا شك فيه أن الاستثمارات التي تخضع إلى معيار الأدوات المالية رقم تسعة تتأثر في بعض الحالات ـ حسب طبيعة الاستثمار وطريقة تسجيله ـ بارتفاع سعر الفائدة، وقد يفقدها في كثير من الحالات قيمة العوائد المنتظرة من هذه الاستثمارات. ومن التطبيقات السائدة التي تتأثر أيضا احتساب خسائر الائتمان المتوقعة للذمم المدينة "هي فعليا أحد أشكال الديون"، فالمعيار ينص على تسجيل مخصص للخسائر المتوقعة من القيمة الحالية للعجز النقدي المستقبلي. وهناك أيضا ما يتم احتسابه تحت إطار المعيار رقم 19 الذي يخص منافع الموظفين، إذ إن المعيار يحدد عددا من استخدامات معدلات الفائدة والخصم لتحديد خطط ومنافع الموظفين، وقد يخفض الالتزامات الحالية ويصنع أثرا عكسيا في المستقبل إذا تراجع النمو في أسعار الفائدة. ومما يتأثر أيضا ممارسات الدفع على أساس الأسهم وعمليات الدمج والاستحواذ حتى الإيرادات كذلك.
لو نظرنا من ناحية الفريق المالي والإداري لوجدنا هناك منظورين للنقاش والتقرير عن هذه المعالجات، الأول قبل نهاية العام، لتثبيت الأداء والمركز المالي لنهاية الفترة المالية. والثاني، للتقرير عن خطة الأعمال الجديدة وما يخصها من موازنات يبنى بناء عليها كثير من الاستعدادات. ما يحدث في العادة هو التقصير وتأخر الفهم حتى اللحظات الأخيرة، إذ تسخن المعالجات قبل إغلاق الحسابات وترفع الموازنات دون تصورات دقيقة عن جميع هذه الآثار المالية، وهذا مكلف ومؤثر في جودة العرض والإفصاح والملخص النهائي التواصلي لأعمال الإدارة. ولهذا تطلب المعايير المحاسبية مزيدا من الإفصاحات في حالة تغير أسعار الفائدة بسبب أثرها في القوائم المالية.
يمكننا القول إن كل ما تجده في قائمة المركز المالي هو دين للمنشأة أو عليها، وتقييمه اليوم قائم على مردوده في اللحظة الحالية واللحظات المقبلة. وهذا يجعل كل البنود تتأثر بعملية القياس والتقييم التي تقوم على المتغيرات الاقتصادية والمالية وتوقعاتنا حولها. في عدد لا يستهان به من الحالات تصبح مخاطر التغير في أسعار الفائدة كبيرة ومعقدة ولا يمكن بأي حال من الأحوال التقليل منها. لهذا على المحاسبين والمديرين الماليين مسؤولية كبيرة لحصرها بشكل جيد وتوعية الفريق القيادي بهذه المتغيرات حتى يمكن إدارتها بشكل عادل وسليم.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي