Author

دوائر التسامح

|

العناوين والكلمات التي قيلت في ملتقى التسامح الذي نظم في الرياض الأربعاء الماضي مهمة وجميلة، فهناك "تحفظ على سياسة فرض القيم على المجتمعات دون مراعاة الاختلافات الثقافية والهويات المتمايزة بين الشعوب"، ومطالبة "بتوسيع مفهوم التسامح وطروحاته لتستوعب التنوع والثراء الذي يحظى به العالم".
المملكة تعمل على نشر وتأصيل قيمة التسامح التي تندرج تحتها قيم متعددة أهمها قبول الاختلاف، ورغم أن العالم احتفل باليوم العالمي للتسامح إلا أن كثيرا من الدول والمجتمعات لا تزال في الطور النظري حيث ترفض، رغم ادعائها التحضر، قبول قيمنا الإسلامية والعربية، وتسعى إلى فرض قيمها الخاصة تحت مسمى "القيم المعولمة" وهي قطعا ليست كذلك.
أحس أن هذا "البعض" يرتكز في تسامحه على تسليع الحياة والإنسان، يعتمد مبادئ "السوق" أكثر من اعتماده مبادئ المنزل والشارع ومكان العبادة ومكانة المجتمع، بينما نستمد تسامحنا الحقيقي من أنسنة الحياة واحترام عقائد البشر وعاداتهم وثقافاتهم. هذا على مستوى الدول، أما على مستوى المجتمعات، ونحن أحد هذه المجتمعات لا تزال هناك إشكالات زاد من ظهورها الانفتاح الاتصالي ووجود وسائل التواصل والتطبيقات الرقمية التي أظهرت أن هناك من لا يتسامح مع المختلف معه، خاصة عندما يتعلق الأمر بالصعيد الاجتماعي.
لدينا تشريعات وقوانين تعزز التسامح، وتفرض احترام وقبول الآخر وحدود حرياته الشخصية دونما إخلال بالنسق العام أو الحريات العامة، لكن لدينا على مستوى الأفراد طرحا معلنا أو خفيا يتداول على نطاق أضيق لا يتقبل التسامح، ولأكون دقيقا، لا يطبقه عمليا وإن كان يقول بذلك نظريا.
البعض يطلب التسامح له، ولا يرضى به عليه، وهذه هي إشكالية الفرد الذي يخضع أحيانا لمفاهيم أو ضغوطات أغلبها ناتج عن تداخل القناعتين الأيديولوجية والاجتماعية، وعن الخشية من تهديد خلفيته الاجتماعية وثقافته التي ترتكز على الجماعة أكثر منها على الذات.
أحسب من تجربة شخصية أن مستويات التسامح تتغير إلى الأفضل مع النضج والمعرفة ومع تغير المحيط من حولك، إما بتخفيف ضغوطه أو بانصرافه عن التركيز عليك، أو حتى في مستويات معينة ومحدودة إدراكه ضرورة احترام كينونتك، إنك مع الاستماع أكثر، والانتباه بدقة، تدرك بعض أخطائك أو تشنجك غير المبرر، وتزيد من تسامحك، وخمن ماذا؟ تزداد راحتك. دوائر التسامح تكبر وتتسع، لأنه الأصل في علاقات البشر حتى ولو تباينت الأفكار والمواقف، بل إن هذا التباين يؤكد ضرورة التسامح أكثر، ليس ضعفا أو ارتخاء في الالتزام بالقيم، بل قوة ذاتية للعقل والقلب.

إنشرها