Author

مخاطر العملات المشفرة وهوس الثراء

|

أستاذ الطاقة الكهربائية ـ جامعة الملك سعود

[email protected]

تعد العملات المشفرة أو "الرقمية" Cryptocurrency طريقة دفع بديلة ومصممة للعمل كوسيلة للتبادل من خلال شبكة حاسوبية لا تعتمد على أي سلطة مركزية لدعمها أو صيانتها. ويتم إنشاء العملات المشفرة باستخدام خوارزميات وتشفيرات معينة، وتعمل كعملة ونظام محاسبة افتراضي لا يستند إلى الأنظمة التقليدية، بل ليست مغطاة بالذهب أو العملات الصعبة. ومن أشهر العملات المشفرة بيتكوين Bitcoin وإيثيريوم Ethereum وتيثير Tether ولايت كوين Litecoin ونيم كوين Namecoin وغيرها، ويبلغ حاليا حجم سوق بيتكوين 864 مليار دولار، وإيثيريوم 361 مليار دولار، وتيثير 79 مليار دولار، وتتوافر محافظ رقمية من أجل التداول. وتعد العملات المشفرة لا مركزية، حيث تعمل على تقنية سلسلة الكتل Blockchain الخاصة بها مثل بيتكوين وإيثيريوم، وأحيانا لا تعمل عليها أو لا تملكها شركة أو جهة ما، وتسمى بيت Bit بدلا من عملة Coin وهي كثيرة جدا. وللعملات المشفرة مجالات وأهداف مختلفة تراوح بين الألعاب وإدارة سلسلة التوريد ومعالجة الدفع، ويتم التحكم في العملات المشفرة من قبل المطورين الذين يستخدمونها والأشخاص الذين لديهم كمية كبيرة من العملة، أو من قبل الشركة المطورة قبل طرحها في السوق. وتساعد اللامركزية في الحفاظ على احتكار العملة حرا، بحيث لا يمكن لأي منظمة تحديد تدفق وقيمة العملة التي بدورها ستبقيها مستقرة وآمنة، على النقيض من العملات الورقية التي يسيطر عليها البنك المركزي. وبالرجوع إلى مؤسس بيتكوين نجد ساتوشي ناكاموتو، وهو اسم مستعار لشخص "أو لأشخاص" ساعدوا على تطوير أول برنامج بيتكوين، وقدم مفهوم العملة المشفرة للعالم في ورقة بحثية صدرت 2008. وظل ناكاموتو نشطا في إنشاء عملة بيتكوين حتى 2010، لكن لم يعد أحد يسمع عنه منذ ذلك الحين، وكذلك قصص بقية العملات المشفرة التي تشابه أفلام "هوليوود" الخيالية التي خرجت لنا فجأة وأصبح الإعلام يتداولها.
ينجذب المستثمرون إلى العملات المشفرة بسبب الثراء السريع والحماية النسبية من التضخم العالمي والإدارة الشخصية، حيث يمكن إجراء تبادل العملات وأداة سهلة في عمليات تحويل الأموال، وهذه تمكن من التعاملات غير القانونية أو المشبوهة، مثل غسل الأموال والتهرب الضريبي. وللعملات الرقمية جوانب سلبية، حيث أصبح الاستثمار فيها مرتبطا بمخاطر عالية، من أبرزها: غياب المراقبة، والخسائر الجمة في رأس المال، وعمليات النصب والاحتيال، وقلة المعلومات المتاحة للمستثمرين، وصعوبة فهم مخاطرها، ومخاطر التذبذب، إلى جانب الضبابية، وغياب الشفافية حول طرق تقييمها، فضلا عن احتمالية الاختراق الإلكتروني وفقدان البيانات، ولا يوجد بنك مركزي لحماية العملاء، وتوجد ثمة آثار سلبية للتنقيب على العملات المشفرة في البيئة، والاستهلاك العالي للكهرباء، وستكون في مقالنا المقبل. ولعلنا نتذكر جيدا ما حل بسوقها قبل أيام، حيث انهارت عملة FTX، وانخفض صافي ثروة سام بانكمان فريد، مؤسس شركة FTX بـ93 في المائة بعد السقوط المدوي للعملة، كما عادت إلى الأذهان قصة انهيار عملة لونا. أما حالات النصب والاحتيال التي تصاحب العملات المشفرة، فدعونا نذكر لكم قصة الدكتورة روجا إجناتوفا، التي تحمل الجنسيتين البلغارية والألمانية، واشتهرت بأنها مؤسسة عملة مشفرة باسم OneCoin، وأخذت تسعى إلى الترويج لهذه العملة في 2012 والدعوة إلى الاستثمار فيها والكسب السريع، وخرجت في مؤتمرات في دول كثيرة، وهرول وراءها الأفراد والمنظمات واستطاعت جمع خمسة مليارات دولار، ويقال إن المبالغ المتحصل عليها كانت أعلى من هذا بكثير. ثم قدمت الدكتورة إجناتوفا فنكوشا إلى المستثمرين وهربت في 2017 واختفت عن الوجود ولا يعلم عنها أثر. ووصفتها مجلة "تايمز" الأمريكية، بأنها واحدة من أكبر عمليات الاحتيال في التاريخ، وتمت إضافتها إلى قائمة العشرة الأكثر طلبا لمكتب التحقيقات الفيدرالي.
يوجد الآن أكثر من 12 ألف عملة رقمية في العالم، ويقال إنها وصلت إلى 20 ألف عملة، وما يثير الدهشة حقا هو معدل نموها. فقد تضاعف عدد العملات المشفرة منذ العام الماضي، ويستطيع أي شخص أو جهة أو منصة تداول أن تنشئ عملة مشفرة خاصة بها، ثم يزج بها في السوق، لكن أغلب العملات المشفرة، إن لم تكن الأغلبية الساحقة، ستندثر مع مرور الوقت. ويوجد الآن أكثر من 500 بورصة تداول للعملات المشفرة، ويشتري معظم المستثمرين العملات المشفرة وينتظرون حتى ترتفع قيمتها، ثم يبيعون بربح وفير بمجرد ارتفاع أسعار السوق. ونستطيع القول إن الأغلب يبحث عن الثراء السريع من خلال الاستثمار فيها، لكن استراتيجية الاستثمار تتطلب تحديد الأصول الأكثر استقرارا في السوق التي يمكن أن تتحول في قيمتها بسرعة، ما يؤدي إلى أرباح هائلة، وهذه عملية ليست سهلة.
إن صناعة العملات المشفرة أو الرقمية تتسع بمعدل غير مسبوق عالميا، ولا يزال هناك عدد كبير من الدول التي لم تتبن العملة المشفرة بعد، حيث نشرت Forexsuggest، وهي منصة رقمية لتجار الفوركس والأسهم وتتبع إلى شركة في دولة لوكسمبورغ، أن هناك 105 دول تعترف بالعملات المشفرة فقط، لكن بعضها ليس من أكبر الداعمين للعملة المشفرة. ومن ضمنها السعودية والدنمارك وآيسلندا واليابان والنرويج والبوسنة والهرسك، بناء على البحث في بيانات مالكي العملات المشفرة، وتوافر أجهزة الصراف الآلي للعملات المشفرة وعمليات البحث عنها في كل دولة لتحديد الدول الأكثر مقاومة للعملات المشفرة في العالم. والمدهش أن التقرير ذكر أن 1.48 في المائة من السكان السعوديين يملكون عملات مشفرة، وهذا يعادل نصف مليون نسمة تقريبا، سواء للاستثمار أو التداول أو المضاربة أو التنقيب. ولقد حذرت اللجنة الدائمة للتوعية والتحذير في البنك المركزي السعودي من عمليات المتاجرة في أسواقها. ومع ذلك، لا يوجد قانون بشكل رسمي يمنع التعامل بها في المملكة. إن شراء وبيع العملات المشفرة متاح من خلال منصات خارجية على الرغم من أن البنوك المحلية لا تدعم التعامل مع منصات تداولها.

إنشرها