Author

الابتكارات الخضراء

|

*أستاذ وباحث في الهندسة والأنظمة الابتكارية

لم يعد سرا أن التلوث البيئي والتغير المناخي أصبحا يشكلان تهديدا خطيرا لكل دول العالم، سواء كانت المتقدمة أو النامية منها، وأصبح له تأثير كبير على اقتصادات العالم، ويبدو هذا التأثير أكثر وضوحا عند زيادة تواتر الظواهر الجوية المختلفة وتنوع الكوارث الطبيعية وشدتها، ما تسبب ذلك في أضرار قدرت بمليارات الدولارات. ومن أنواع التأثير للتغير المناخي هو زيادة معدلات درجات الحرارة، والذي يؤثر في الحياة الطبيعية بطرق شتى منها، دوره في انخفاض المحاصيل الزراعية بسبب الجفاف أو الفيضانات أو التصحر، والتأثير المباشر على الصحة العامة، والذي بدوره يؤدي إلى زيادة التكاليف الصحية، وغير ذلك مما يسبب التضخم في الأسعار، ويقلل من النمو الاقتصادي. وبشكل عام، يشير كثير من التقديرات إلى أن التغير المناخي سيكلف الاقتصاد العالمي إلى ما يصل إلى تريليوني دولار سنويا بحلول 2030، وسيستمر في الزيادة مع اشتداد حدة آثار تغير المناخ، وأن تكلفة معالجة هذا التغير الخطير جدا ستتطلب نحو تريليون دولار سنويا حتى 2030 للمحافظة على الاحترار العالمي أقل من درجتين مئويتين فقط، ولذا نرى أن تكاتف الجهود الدولية في هذا الموضوع المهم أصبح ضرورة ملحة للوقوف بكل حزم وعزم لإيجاد الطرق التي يمكن من خلالها تقليل أخطار هذا التغيير المناخي والتلوث البيئي.
أطلقت المنظمة العالمية للملكية الفكرية برنامجا لدعم الابتكار الأخضر ونقل التكنولوجيا بمسمى WIPO GREEN، وذلك في 2013، حيث يهدف هذا البرنامج إلى تشجيع استخدام التقنيات والتكنولوجيا الصديقة للبيئة، وهو يجمع الخبراء والعلماء والباحثين المتخصصين في مجال الابتكار الأخضر من القطاعين العام والخاص بحيث يكون بمنزلة شراكة بين المبتكرين للتقنيات والتكنولوجيا الخضراء والجهات المستفيدة من الباحثين عن الحلول الخضراء من الهيئات العامة والخاصة، لكي يتم توفير حلول عملية تدعم استحداث تكنولوجيات خضراء واعتمادها ونشرها، وقد أصبح سوقا إلكترونية لتكنولوجيا التقنيات المستدامة من خلال منصة إلكترونية يتم عن طريقها الربط بين مقدمي هذه الابتكارات التقنية الخضراء والجهات ذات الحاجة للحلول الخضراء لمعالجة مشكلات معينة، مثل الوصول المستدام إلى المياه أو إدارة مرافق مراعية للمناخ وصديقة للبيئة، حيث أصبحت هذه المنصة تحوي قاعدة بيانات تضم أكثر من ثلاثة آلاف تكنولوجيا واحتياج. والمطلع على أهداف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة، التي تتضمن 17 هدفا، وتغطي عدة مجالات تشمل منها الاجتماعية والاقتصادية، التي يندرج تحتها القضايا الخاصة بالتغيير المناخي والتلوث البيئي والطاقة والصحة والمياه وغيرها، يجد أن تحقيق معظم تلك الأهداف يتطلب استحداث حلول تكنولوجية وابتكارات خضراء مراعية وصديقة للبيئة.
وفي مملكتنا بقيادتها، وبما حباها الله من حكمة وبعد نظر، نرى أنها جعلت من مبادرات رؤيتها 2030 المحافظة على البيئة ومكافحة التغيير المناخي، وأطلقت لذلك عديدا من المشاريع في سبيل تحقيق هذه الأهداف، ومنها مبادرة السعودية الخضراء ومبادرة الشرق الأوسط الأخضر، التي يسعى من خلالها إلى تنسيق الجهود الإقليمية والدولية والعمل على تبادل الخبرات والمعارف والعلوم، لتحقيق عدد من الأهداف، من أهمها تقليل الانبعاثات الكربونية إلى أكثر من 10 في المائة من المساهمات العالمية من خلال عدد من المبادرات، وزراعة 50 مليار شجرة في جميع أنحاء الشرق الأوسط منها عشرة مليارات شجرة في المملكة، وذلك يعادل 5 في المائة من مستهدفات التشجير العالمية، وإطلاق عديد من البرامج التي تهدف إلى حماية البيئة، ومنها البرنامج الوطني للاقتصاد الدائري للكربون، الذي يحوي مشاريع للابتكار في تقنيات عالية الدقة في مجال الطاقة، وفي 2020، أعلن إنشاء مصنع للهيدروجين الأخضر بقيمة خمسة مليارات دولار يعمل بسعة أربع جيجاواط من الطاقة المتجددة، ويهدف إلى إنتاج 650 طنا من الهيدروجين بحلول 2025 وتصديره للأسواق العالمية، ليكون أكبر مشروع هيدروجين في العالم، وغيرها من المشاريع الابتكارية الخضراء.
ولعل توجيه المراكز البحثية الوطنية والهيئات والجامعات ورواد الأعمال والشركات الناشئة والمدن الصناعية لتكثيف جهودها في مجال البحث والتطوير والابتكار الأخضر، خصوصا تلك المتخصصة في عالم البيئة وأن تستفيد من المبادرات المعدة لتمكين الجميع من الاطلاع والمشاركة، والتوجية والتركيز على دعم الابتكارات الخضراء والأبحاث التي تساعد على انخفاض الانبعاثات الكربونية والغازات الصناعية، بحيث يكون هناك منصة وطنية مختصة بهذة المبادرات بحيث توفر جميع المعلومات المتعلقة بالابتكارات الخضراء وحث الباحثين على المساهمة فيها، وكذلك العمل على تطوير الأنظمة الإلكترونية المتقدمة في مجال الإنذار المبكر، فيما يتعلق بالعوامل البيئية كالأمطار والعواصف والتلوث وغيرها في هذا المجال، سيكون له الأثر الكبير في تحقيق الوصول معا للأهداف الطموحة، ومنها اقتصاد مستدام مراع للبيئة، وبالتالي العيش بسلام في كوكب نقي لنا نحن والأجيال القادمة من بعدنا.

إنشرها